الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

مشافٍ عامة بلا خدمة وخاصة بلا رحمة

الاقتصاد اليوم:

القطاع الصحي في سورية مرّ في مراحل ومستويات مختلفة في طريقة الأداء للخدمة الطبية وذلك وفق الإمكانات والظروف التي تتوافر لدى الجهات الحكومية والخاصة التي تشرف على القطاع وتوفر له كل مقومات البقاء والديمومة التي تسمح بتطويره وتحقيق الغايات التي ترسم لإنجاز المهمة الإنسانية في الحفاظ على الصحة العامة.

وبالدخول إلى موضوع اليوم فإننا نجد أن القطاع الصحي مر بمراحل مختلفة منذ عقد الثمانينيات التي شهدت تغيرات اقتصادية وسياسية عكست تأثيراتها السلبية على الواقع, الأمر الذي أدى لتوقف العديد من إقامة وتجهيز المشافي والمراكز الصحية المرتبطة بتقديم الخدمات الصحية وبالشكل المطلوب وفي عقد التسعينيات كان لتحسن الظروف السياسية والاقتصادية الأثر الإيجابي لتطوير القطاع وإنجاز العديد من المشافي والمراكز في المحافظات ولاسيما في دمشق وحلب واللاذقية وحمص وطرطوس والحسكة.

ومع بداية الألفية الثانية شهد القطاع نقلة نوعية يمكن القول عنها إنها أكثر إيجابية من المراحل السابقة, حيث افتتح العديد من المشافي العامة والخاصة والمراكز الصحية إضافة لتطوير مصانع الدواء السوري التي وصل إنتاجها لأكثر من 53 دولة إضافة لتغطية حاجة السوق المحلية بواقع 95%.

لكن التحويل الأهم كان خلال 2002 الذي قضى بتحول المشافي العامة إلى هيئات مستقلة ذات إدارة ذاتية وفي العام 2010 كان التخطيط قائماً لتجهيز 24 مشفى جديداً وإعداد 14 دراسة إنشائية لمشاف يتم إنجازها وفق خطط مدروسة.

إلا أن التغيير السلبي لهذا القطاع كان واضحاً مع بداية الحرب على بلدنا التي استهدفت كل القطاعات الاقتصادية والخدمية لتدمير بنية الدولة ومكوناتها الأساسية وإضعافها.

إلا أن الأمور لم تمض بهذا الاتجاه حيث بدأت الحرب على سورية وانعكست الأمور بشكل سلبي على القطاع الصحي حيث استهدف الكثير من المشافي والمنشآت والمراكز الصحية وسيارات الخدمة والإسعاف من قبل العصابات الإرهابية المسلحة وبلغت نسبة المشافي المدمرة بحدود 40% منها مشافي ريف دمشق (دوما – حرستا- داريا) ومشافي حلب (الكندي الجامعي- زاهي أزرق- اعزاز الوطني- ابن خلدون للأمراض النفسية) وفي حمص مشفى القصير – المشفى الوطني) ومشافي دير الزور ودرعا وهناك المئات من المراكز الصحية خرجت من الخدمة, علماً أن قيمة الخسائر المباشرة وغيرها زادت على 50 مليار ليرة وفق مصادر مطلعة لدى وزارة الصحة.

وازاء ذلك كيف هي صورة الواقع الصحي اليوم سواء بالقطاع العام أو الخاص الذي استغل الظروف أحسن استغلال ففاتورة العلاج
باتت بالملايين ولا مكان للمريض

 كثر هم المرضى الذين لا يملكون من المال ما يمكنهم من تحمل نفقة العلاج ولاسيما إذا كانت تكاليفه ضخمة, وهنا نجد أن الفقراء دائماً يلجؤون إلى المشافي الحكومية لعلّهم يجدون فيها ملاذاً يقدم لهم العلاج والدواء ولكن هل يكون طريقهم سهلاً وينالون مبتغاهم, أم هناك قصة من نوع آخر؟!

معظم المشافي الحكومية حالها -إلا ما رحم ربي- لا يخفى على أحد من قلة الأسرّة العلاجية وربما نقص الكوادر من أطباء وممرضين وفنيين ناهيك بإشكالات تعطل أجهزة التصوير والأشعة والمخابر.. لغياب الدواء اللازم وفي حال ظفر المريض بكرسي فما على مرافقيه إلّا شراء الدواء من الصيدليات الخاصة. وبعض المشافي لديها من المشكلات التي تعوقها عن أداء مهمتها الطبية كملجأ يقصده البسطاء ومن ذوي الدخل المحدود وما أكثرهم, فمن نقص الأدوية إلى نقص الكوادر والأطباء وصولاً إلى الإهمال وعدم تقديم الخدمة اللائقة.

لقد تفاقم الوضع الصحي بعد خروج العديد من المراكز والمشافي الصحية من الخدمة, فعند زيارة مشفى مثل المجتهد أو المواساة أو مشفى الأطفال نجد طوابير المرضى أمام أقسام الإسعاف والاستقبال وهم يتدافعون للظفر برؤية طبيب أو الحصول على ورقة يسطر عليها ممرض أو طبيب اختصاص عام أنواعاً من الأدوية.

تقول ممرضة بحرقة وأسى نتيجة تزاحم البسطاء والمرضى الذين لا يقدرون على دفع تكاليف أي علاج هم بحاجة إليه في المشافي الخاصة التي باتت كالمسالخ وفواتيرها العلاجية لا توصف ولا تتحملها أي ميزانية: عند زيارة المريض إلى العيادات الخارجية العائدة لبعض المشافي العاملة في دمشق أو أقسام الإسعاف يقاسي المرارة والألم وينسى ألمه.
أي مريض تلزمه «توصية» أو وساطة لنيل علاج إسعافي بسيط.

والسؤال أمام الجهات الصحية: من هو المريض الزائر الذي يأتي المشافي العامة..؟ هو ذاك المريض الذي لا حول له ولا قوة ولا يملك تكاليف أي علاج أو حتى شراء علبة دواء واحدة.. وإذا دخل ونال شرف التمتع بسرير فهذا لا يعني أنه يعالج على سرير رائحته نتنة أو شراشفه ملأى بالدماء والأوساخ في كل زاوية وركن.

في المشافي الحكومية يحتاج واسطات وشراء أدوية و«دوخة» لها أول وليس لها آخر…أما إذا فكر أحد المرضى باللجوء إلى المشافي الخاصة فهنا الطامة الكبرى ولا تستغربوا أن تصل فاتورة العلاج إلى ملايين الليرات…

إن الوضع الصحي لدينا ما زال مستقراً حيث لم تسجل أي جائحات أو أوبئة طوال الفترة الماضية رغم التحديات التي يواجهها القطاع الصحي والمتمثلة في استهداف البنى التحتية من المشافي والمراكز الصحية ومنظومة الإسعاف والفرق الطبية الجوالة وفرق التقصي الوبائي حيث بلغ عدد المشافي المتضررة 36 مشفى من 105 مشاف وتضرر 603 مراكز صحية من أصل 1996 و313 سيارة إسعاف من أصل 680 سيارة و14 معمل أدوية من أصل 70 معملاً ما يتطلب بذل أقصى الجهود لتقديم الخدمات العلاجية والدوائية للمرضى داخل المؤسسات الصحية العامة مع ملاحظة أن الكثير من مرضانا يجدون تقصيراً واضحاً في تقديم العلاج لهم داخل هذه المؤسسات لذا يضطرون اللجوء للمشافي والمراكز الصحية الخاصة التي تقوم بابتزاز أهل المرضى وتقاضي مبالغ طائلة تتجاوز المليون ليرة من أهالي المرضى الذين يقعون في مصيدتهم نتيجة عدم تلقي العلاج في منشآتنا الصحية العامة التي لم تستقبل المرضى لتلقي العلاج في الوقت المناسب من دون تأخير.

صحيفة تشرين

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك