الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

معدلات الفقر غير واضحة..وتراجع الأمن الغذائي ومقومات المعيـشة في سورية

الاقتصاد اليوم:

ظهرت علامات الاستغراب والدهشة على وجه أبو مجد بعد سماعه سؤالاً: كيف تستطيع أن تعيش براتب لا يتجاوز 35 ألف ليرة؟ّ ليجيب بعفوية: (والله لا أعرف) الرب يعين، هذا الرجل الذي يسكن وأسرته المؤلفة من أربعة أولاد في إحدى عشوائيات ريف دمشق بعد أن تهجر من منزله نتيجة الإرهاب، مؤكداً أن الوضع بات غير محتمل بعد أن فقد بيته وكل ما يملك ليعيش وأسرته على الراتب الشهري إضافة إلى بعض المساعدات الغذائية.

السؤال الأهم: من يتحمل مسؤولية غلاء المعيشة الذي استمر بالارتفاع طوال سنوات الحرب؟ وهل من حلول قريبة تبشر بانفراج معيشي على السوريين؟.
 
تفاقم الفقر

رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي عماد الصابوني أكد أن الأسباب والعوامل التي أدت إلى تفاقم ظاهرة الفقر في سورية تعود إلى العوامل التي تؤثر في محددي الفقر، فقد ألقت الأزمة ظلالها على محددي الفقر الرئيسين (الدخول والأسعار) حيث تأثرت الدخول سلباً بفعل فقدان فرص العمل المصدر الأساس للدخول والناتج عن خروج نسبة كبيرة من المؤسسات الإنتاجية خارج الدورة الاقتصادية وتوقفها عن العمل، إضافة إلى تراجع برامج الحماية الاجتماعية، لافتاً إلى أن  الأسعار تأثرت تأثيراً مزدوجاً خارجياً بفعل الحصار الاقتصادي الجائر، كذلك تأثرت داخلياً بضعف النشاط الاقتصادي الإنتاجي الذي خرج قسم كبير من منشآته خارج العملية الإنتاجية وأيضاً عدم أمان طرق نقل المنتجات وغياب آليات مراقبة الأسواق، هذه التأثيرات أفرزت تحديات جديدة أمام الاقتصاد والمجتمع السوري، تضاف إلى التحديات التي كانت ماثلة أمام جهود الحد من الفقر قبل الأزمة وتمثلت نتائجها بتضرر كل مؤشرات الفقر واتساع نطاقه وتعمق حدته وفجوته.

تدني مستوى المعيشة

من جهته أكرم القش دكتور علم الاجتماع وعميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية أشار إلى أن الأزمة أثرت في مستوى معيشة الأسرة السورية بشكل حاد سواء على مستوى تدمير المنشآت أو تعطيلها وكذلك زيادة نسب البطالة، لافتاً إلى أنه حتى الخدمات المتوافرة لم تكن بالمستوى الموجود سابقاً، لكن التوجه العام يؤكد تراجعاً بمستويات المعيشة وزيادة في معدلات الفقر، إلا أنه لا يمكن إعطاء رقم أو نسبة دقيقة لأن ذلك يحتاج دراسة معمقة لمعرفة ذلك، وأيضاً تحديد الفجوة، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد بيانات، فكل وزارات الدولة لديها بيانات وخطط تعمل عليها لكن لم تضعها حالياً للنشر لأسباب مختلفة.

بدوره الدكتور والباحث الاقتصادي عمار يوسف أكد أن جهات متعددة تتحمل مسؤولية الغلاء والفقر، منها المجموعات الإرهابية مع ما سببته من دمار هائل في المجال الاقتصادي، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية على سورية والتي منعت التبادل التجاري وحققت الضغط غير المسبوق على الاقتصاد المحلي، كما لعب تجار الأزمة دوراً كبيراً من خلال استمرار رفعهم لأسعار المواد بشكل عام، ولاسيما الغذائية، وكذلك عدم ثبات سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الصعبة الذي أدى إلى عدم استقرار الأسعار، مشيراً إلى أن رفع حوامل الطاقة بشكل مستمر من مازوت وبنزين شكل منعكساً اقتصادياً خطراً على كل أسعار المواد المعيشية، ودخول مجموعة جديدة من المواطنين في منطقة ما تحت خط الفقر، والذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع ما نسبته 92% وفقاً لمعايير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وفي السياق ذاته يرى الدكتور القش أن بحث الفقر يحتاج دراسة ميدانية معمقة تشمل مؤشرات معينة يتم من خلالها تحديد من هم تحت خط الفقر، لافتاً إلى أن تلك النسبة ربما عبارة عن آراء انطباعية، لذلك لا نستطيع أن نعطي رقماً أو إحصائية، مؤكداً أنه لم تجر في سورية خلال الأزمة دراسة جدية عن الفقر، كما أن الفقر ليس مادياً فقط فهو متعدد الأبعاد، قد يكون فقراً في التعليم والصحة….

خطة الاستجابة

«تشرين» حصلت على دراسة خطة الاستجابة لعام 2015 التي أقرتها الحكومة وتم خلالها مسح بيانات وإحصاءات لرصد ظاهرة الأمن  الغذائي، حيث أعطت بيانات التقرير مؤشرات يمكن من خلالها القول إنه أصبح هناك تراجع بالأمن الغذائي، وكذلك بمقومات المعيشة الجيدة بنسب عالية وبالدرجة الأولى بين الأسر المهجرة ونتيجة لتعطل القدرات الكافية لاستيراد مواد غذائية لتلبية الطلب المحلي في مناطق الأزمات.

وجاء ملخص خطة الاستجابة المعتمدة كما يلي: تراجع الأمن الغذائي على نطاق واسع وعلى نحو متزايد في جميع أنحاء سورية كمنطقة أزمات.

وأشارت الدراسة إلى أن الأكثر عرضة للأزمات هم المهجرون نتيجة الإرهاب داخلياً، إضافة إلى المجتمعات المضيفة وكذلك الفقراء وصغار المزارعين العاطلين عن العمل والحضر والرعاة.

وختمت الدراسة أن هدف خطة الاستجابة الاستراتيجية هو تعزيز رصد وتحليل هشاشة الأوضاع لتعزيز التخطيط القائم على احتياجات الاستجابة والتنفيذ مع التركيز على الفئات الضعيفة.

فقدان للقيم الإنسانية

للاختصاصيين النفسيين رؤية مختلفة لموضوع الفقر، إذ أكد الدكتور هيثم علي الرئيس الفخري لرابطة الطب النفسي أن من هم تحت خط الفقر لا يعني أنهم في عوز مادي فقط، بل أيضاً تدهور نوعية الحياة التي تؤدي إلى فقدان الإنسان قيمه الإنسانية والأخلاقية، وتالياً يتحول إلى أداة للتهديد والقتل –تجارة الجنس- والعنف ضد المرأة- بيع الأطفال وتجارة الأعضاء من أجل تأمين لقمة العيش، لافتاً إلى أن الإنسان الذي يصل إلى هذه الدرجة فإنه بالتأكيد سوف يتحول إلى كائن عدواني شرس يرتكب المحرمات، لأنه أصبح لديه غضب تجاه المجتمع، وهؤلاء يشكلون البيئة الصالحة للعنف حيث يستثمر فيها الفقراء- الشباب- الأطفال مبينا أن الشخص الذي تتكون لديه هذه النزعة العدوانية يسير وكأنه ميت لا يملك ثقافة أو تعليماً، يأكل ويشرب فقط وذلك تعبير عن الفراغ الموجود والناتج عن عدم إنشاء أسرة أو وجود فرح أو سعادة، وبذلك يتنازل تدريجياً عن كل هذه القيم حيث يصبح لديه لؤم وكره للمجتمع.

مساعدات بقيمة 7.6 ملايين دولار

بينما يقول صابوني تتعدد المنظمات الدولية المعنية بتقديم المساعدات الغذائية للشعب السوري، أهمها برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة العالمية للأمم المتحدة، والمفوضية العليا للاجئين، إضافة إلى الهلال الأحمر العربي السوري، مشيراً إلى أنه يتم تأطير عملية الاستفادة من المساعدات الإنسانية التي ترد إلى سورية من خلال اللجنة العليا للإغاثة والجهات التي تعمل في إطارها، وقد بلغ مجموع ما تم تقديمه من منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الغذاء العالمي خلال عام 2015 حوالي /7,667/ ملايين دولار على امتداد أراضي الجمهورية العربية السورية وذلك بالتنسيق مع وزارة الخارجية والمغتربين ووزارة الإدارة المحلية (من خلال تقديم السلل الغذائية ودعم قطاع الدواجن والأغنام وتوزيع البذار والحيوانات الحية والعلف والخدمات البيطرية عبر برنامج الطوارئ).

وأوضح صابوني أنه وفي الوقت الراهن مازال التعاون قائماً بين الحكومة السورية والمنظمات الدولية ذات العلاقة لتأمين بعض الحاجات والمستلزمات التي تساهم في تعزيز صمود الشعب السوري في وجه الإرهاب الذي يمارس ضده و بما يدعم بقاء الأهالي في أماكنهم وتسهيل تسريع عودة من تم تهجيره بسبب الأعمال الإرهابية، مضيفاً أنه وفي هذا المجال تم في شهر شباط من العام الحالي التوقيع على وثيقة الإطار الاستراتيجي للتعاون بين الجمهورية العربية السورية والأمم المتحدة والتي تتضمن مقترحات مشروعات من شأنها أن تساهم في تعزيز الصمود لاسيما في مجال إعادة تأهيل سبل العيش للأسر المتضررة من جراء الأزمة وذلك بهدف التقليل من الاعتماد على المعونات الغذائية والانتقال التدريجي من النمط الاستهلاكي للمعونات إلى النمط الإنتاجي من خلال دعم فرص عمل مولدة للدخل ولاسيما ضمن المناطق المتضررة ومراكز الإيواء بما يساعد على التخفيف قدر الإمكان من الضغوط على الأسر المهجرة.

حلول للحد من الفقر

بينما يرى الدكتور يوسف ومن وجهة نظره الاقتصادية أن هناك إمكانية لحل مشكلة الفقر ولو بالحد الأدنى من خلال اعتماد منهجية اقتصادية معينة تسمى اقتصاد الحرب، كذلك الاعتماد على اقتصاد الثمانينيات لما أثبته هذا الاقتصاد من قوة وإمكانية وجود الحلول للمشكلات الاقتصادية الحالية، لافتاً إلى ضرورة محاربة الفساد ولاسيما في المجال الإداري والاقتصادي والقضائي، إضافة إلى زيادة الرواتب وتحسين الوضع المعيشي للمواطن من خلال استهداف مجموعة من السلع الاستراتيجية وخدمات تعود بالنفع على الوضع المعيشي بشكل عام وكذلك البدء بعملية إعادة الإعمار لاسيما في المناطق الآمنة لما يمكن أن يخلقه من فرص عمل وتأمين مساكن للأسر المهجرة، والأهم استهداف أسر الشهداء بمجموعات من المشروعات الإنتاجية ذات المردود السريع لضمان حياتهم الكريمة.

دراسات استراتيجية

في حين كشف الصابوني عن وجود خطط ودراسات مستقبلية قريبة للحد من مستوى الفقر للمواطن السوري أهمها أن البيانات الوزارية للحكومة ركزت على أولوية تحسين مستوى معيشة المواطنين وتلبية حاجاتهم الأساسية ومنها الحاجات الغذائية، كما يتم العمل على إطلاق استراتيجية تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي يعد من أهم أهدافها زيادة معدلات التشغيل وتحسن الدخول ما ينعكس إيجاباً على القدرة المالية للأسر السورية وإنفاقها على الغذاء، كما تعد زيادة تعويض المعيشة خطوة في تخفيض الفجوة بين الدخول والأسعار، مضيفاً أنه سيتم الاستناد إلى دراسات قطاعية في رسم السياسات القطاعية، فعلى سبيل المثال يتم رسم السياسة الزراعية بالاستناد إلى دراسات خاصة بالحاجات الأساسية من المحاصيل الزراعية مثل القمح والخضراوات، إضافة إلى العمل على تعزيز التعاون مع الجهات المانحة والمنظمات الدولية في مجال إعداد برامج ومشروعات خاصة بدعم وتنمية الريف السوري باستهداف عدد من القرى المتضررة من الأزمة من خلال تقديم منح عينية أو نقدية أو قروض.

وفي الإطار نفسه أوضح الدكتور علي أن مسؤولية الحكومة بهذا الموضوع تتمثل من خلال معالجة الجرحى إضافة إلى ضرورة إعطائهم راتباً ولو قليلاً للجريح لكي يستطيع أن يعيش وأسرته بكرامة، منوهاً بأن محاربة الفقر وتمكين الشعب بالحاجات الضرورية من مسؤولية المجتمع ككل.

وهذا ما أكده الدكتور القش بأن الحكومة قامت بعدة إجراءات وتدخّلات من أجل أن تنشر خدماتها لكل المواطنين، فمثلاً وزارة التربية استهدفت تعليم ب-ج بهدف التخفيف من مسائل التسرب المدرسي إضافة إلى عقلنة الدعم، لكن الفجوة كبيرة، والحاجة كذلك، ومع ذلك يتم من خلال تلك الإجراءات ترميم الفجوات ما بين الدخل والإنفاق شيئاً فشيئاً ضمن الإمكانات المحدودة.
بينما ميساء ميداني مديرة الخدمات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أكدت أن دور الوزارة في الحد من ظاهرة الفقر اختلفت قبل الأزمة عما هي عليه حالياً، سابقاً كان هناك مشروع لتمكين المرأة والحد من الفقر بالتنسيق بين وزارات الشؤون والزراعة والإدارة المحلية وبإشراف هيئة التخطيط، لكن توقف العمل به بسبب تغير ملامح الفقر جذرياً في سورية من محدودية المقومات المطلوبة كالغذاء والماء والتعليم إلى الهجرة الكبيرة التي فقد فيها الإنسان كل شيء.

تكيّف الأسرة مع وضعها الجديد

وأضافت: إن الأسرة السورية ونتيجة الوضع الحالي أصبحت تتكيف مع وضعها الجديد، حيث تبلور هذا التكيف من خلال إخراج بعض الأسر لأطفالها من المدارس، ومنهم من اتجه للتسول من أجل تأمين لقمة العيش.. لهذا نقول اختلف مفهوم الفقر في سورية بسبب الأعمال الإرهابية والحصار عن أي مفهوم عالمي، وانطلاقاً من ذلك علينا أن ننسى النظريات السابقة التي تعتمدها الدول لدراسة الفقر، وندرس ما يتعلق بالحالة السورية، وهي عبارة عن واقع إنسان مهجّر يضطر لدفع إيجارات سكن مرتفعة، وهنا يأتي دور الدولة من خلال تأمين مراكز الإيواء، إضافة إلى الدعم الغذائي المتمثل بالسلل الغذائية والصحية، وكل مقومات الأسرة النازحة، مشيرة إلى أن الجمعيات الأهلية ساهمت في توصيل الخدمة بصورة جيدة من المورد مباشرة سواء كانت الدولة أو أي جهة مانحة، وذلك لقربها من مستوى المناطق والأحياء، وبيّنت ميداني أنه من ضمن التسهيلات التي قدمتها الوزارة لتلك الجمعيات السماح لأي جمعية بالعمل بموضوع الإغاثة، ودخولها بالتعاونيات الدولية، علماً أنه حتى المنظمات الدولية تحوّل عملها من إغاثي إلى استهدافي بغرض التنمية كمشاريع تعليم مهنة أو التعليم المدرسي –لذلك بدأت الجمعيات تضع أهدافاً تنموية في مجال الصحة- التعليم بعد موافقة الوزارة عليها، حيث تحاول الأخيرة المواءمة بين حاجة الأسر الحالية مع المشاريع التي تقدم من قبل الجمعيات، وقد أحدثت جمعيات بهدف رعاية أسر الشهداء والجرحى، كما أن هناك جمعيات تقدم خدمة مباشرة للأسر كتعليم مهنة للجريح يعتمد فيها على نفسه أو فرصة كسب، إضافة إلى المبادرات التطوعية.

وختمت مديرة الخدمات الاجتماعية بالقول: إن الوزارة تضع حالياً أسس التمويل المتناهي الصغر الأسري الذي يستهدف أفراد الأسرة وليست له إنتاجية إلا تحسين مستوى الدخل المعيشي للأسرة، علماً بأن القروض تقدّم بتسهيلات بسيطة تتناسب مع قدرة الأسرة.

المصدر: صحيفة "تشرين"

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك