الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

مقاهي دمشق تحافظ على بريقها وتجمع السوريين رغم الأزمة

الاقتصاد اليوم ـ صحف:

للمقهى في مدينة الياسمين عالم آخر.. حكاية أشخاص وأماكن.. ليال من ألف ليلة وليلة.. وذكريات أشخاص قد تختلف على كلّ شيء لتتفق على مقهى، وبالرغم مما شهدته مدينة دمشق من قسوة الحرب والحياة المعيشية، إلا أن مقاهي الاحياء القديمة ما تزال تحافظ على ضجيجها الممتلئ بالحياة والامل من خلال الملتقيات الفنية والثقافية والشعرية وتجمع الشباب والمتقاعدين.

وما تزال المقاهي تشهد ازدحاماً حتى ساعات الليل الاخيرة، حيث أكد "محمد" صاحب مقهى بمنطقة ساروجة، أن " نسبة تراجع الاقبال في السنوات الاخيرة لم تتجاوز 20 بالمئة"، مشيراً إلى أن "السبب في التراجع ليس الازمة والاحداث الامنية، وإنما ارتفاع الاسعار ".

وتابع محمد قائلاً، "رفع الاسعار خارج عن ارادتنا، ولكن ارتفاع سعر الغاز والمازوت والمواد الأساسية في المقهى كـ"المشروبات – المعسل وغيرها، كان السبب الذي دفعنا إلى رفع الاسعار، إضافة إلى ارتفاع سعر الدولار الذي انعكس بشكل سلبي على  أسعار المواد الاولية، التي نحتاجها في عملنا"، مضيفا "أنا مضطر لإضافة نسبة على الاسعار، كي احقق ربح يكفي لأعطي العامل أجره، فغالبية عمالي هم من المعيلون لأهاليهم بعد ان شردتهم الازمة".

وأما "باسم" محاسب في أحد مقاهي باب توما فقد قال: " إن حركة المطاعم والمقاهي تشهد ارتفاعا ملحوظا بشكل عام وفي فصل الصيف بشكل خاص، إضافة إلى انقطاع الكهرباء حيث يلجأ المواطنون الى المقاهي، من أجل الترفيه عن انفسهم"، مشيراً إلى أن "ارتفاع الاسعار لم يؤثر بشكل كبير على نسبة الاقبال".

وأضاف باسم ذروة الاقبال بعد الساعة الرابعة مساء، حيث ينتهي المواطنون من عملهم، وتزداد نسبة الطلبات على "الاراكيل" والمشروبات الباردة.

وعندما توجهنا لأحد الكافيات الاخرى في دمشق بالسؤال عن أكثر الوجبات طلبا، قالت ملاك العاملة في المقهى "كل وقت في اليوم طلبه المخصص، ففي الصباح غالبية الطلبات تكون القهوة والمشروبات المنشطة، وفي فترة الذروة تكون الطلبات وجبات سريعة مع بعض العصائر، أما مساءً تكثر طلبات الاراكيل والشاي والمشروبات الباردة".

فيما قال علاء "تاجر"، "عادة ما أرتاد المقهى صباحا، لذلك يقتصر طلبي على فنجان قهوة"، مضيفا "طبعا مع غنية لفيروز،  لأنها بتنشطني وبتدفعني اني اشتغل وانتج بشكل أكبر".

وهذا المشهد يختلف مع موظفي الشركات الخاصة، فقد أكد أحدهم "عندما يكون عندي ضغط في العمل، أضطر للتواجد ساعات إضافية داخل المؤسسة، وفي فترة استراحتي اتوجه لأحد المقاهي القريبة لكي أتناول وجبة الغداء ومن ثم اعود لمكتبي".

مقاهي عصرية ...

ولم يختلف الاقبال بين المقاهي الدمشقية القديمة عن المقاهي العصرية في احياء دمشق الحديثة والعريقة، كـ أبو رمانة – المالكي – القصور ، حيث يتميز المقهى بـ "شاشات تلفزيونية مسطحة، كراسي فخمة واسعة، طاولات كبيرة زجاجية، قائمة أطعمة ومشروبات واسعة، خدمة انترنت مجانية في معظم الأوقات، والتي تعكس بدورها اختـــلافاً في أذواق الشباب الدمشقيين عندما يتعلق الأمر بالمقهى المفـضل".

ففي الوقت الذي يقضي فيه جزء كبير من الشباب السوري معظم أوقاتهم في مقاهي الشام القديمة لخصوصية طابعها الأثري والسياحي، تفضل مجموعات أخرى من الشباب الذهاب إلى"مقاهي أكثر حداثةً وتطوراً تحمل طابعاً أكثر عالميةً".

وقالت لمى، "مدربة رياضية" إنني "أرى في المقاهي الحديثة فرصة ممتازة لقضاء أوقات متميزة سواء من ناحية أجوائها العصرية أو حتى من ناحية خدماتها الأكثر رقياً و تطوراً، كما أنها نوعا من التغيير عن أجواء المنزل، والبحث عن فرصة للتسلية ولقاء الأصدقاء".

الازمة أم الاختراع

ومن المعروف أن الازمة السورية لم تترك منزلا إلا وأثرت فيه، ولكن من تأثيراتها الايجابية أن بعض الشباب استثمر البيوت الدمشقية القديمة وحولها لمقاهي وكافيتريات، وبعضهم لمكتبات ثقافية وفنادق، مما أدى لزيادة فرص العمل بين الشباب وإثباتهم بأن الازمة لم تثني عزيمة السوريون.

 "سمير" شاب في مطلع الثلاثين حول منزله العربي القديم في منطقة جرمانا بريف دمشق، إلى مقهى يرتاده الشباب بأسعار رمزية وتقتصر على الاراكيل والمشروبات الباردة، ولكن من اللافت أنه رمم المنزل بصور عن اثار سورية العريقة مثل "تدمر..قلعة دمشق..قلعة حلب وغيرها من الاثار"، مضيفا "لقد راودتني الفكرة من وحي الازمة وما فعله الارهابيون بأثارنا العريقة، فحاولت أن أجمع القدر الكبير من صور الاثار وصور الطبيعة السورية الرائعة بمقهى صغير كبصيص أمل لمستقبل افضل ولتعزيز السياحة وجمع الشباب السوري".

هجرة الشباب

ولكن كما نعلم بأن الازمة السورية لم تترك لنا إلا الذكريات، فهناك الكثير من الشباب الذين يعيشون على ذكرى اصدقائهم المهاجربن، حيث قال "وائل" الشاب العشريني، الذي فرقت الازمة بينه وبين اصدقاءه، ولكن لم تمنعه من ارتياد المقهى الذي جمعهم اول مرة، "بعد ما سافروا رفقاتي، وبقيت لحالي هون، صرت اجي كل يوم اقعد على نفس الطاولة اللي جمعتنا اول مرة"، متمنياً انتهاء الازمة وعودة اصدقاءه لدمشق.

بينما محمود "طالب جامعي" قال:"إنني أهرب من واقع الحياة التي نعيشها، والروتين الممل الذي اعتدنا عليه يوميا"، وأضاف "أجلس وحيدا على هذه الطاولة البائسة لوقت متأخر من الليل".

وعلى الطاولة الاخرى،  قال العم أبو عادل، الذي جمعته طاولة النرد وكأس الشاي مع صديقه، إنه "بعد ان انهيت خدمتي في أحد الدوائر الرسمية منذ 7 سنوات، أجلس بشكل يومي على هذه الطاولة أنا وصديق شبابي إبراهيم، تجمعنا طاولة الزهر، ويوم إلي ويوم عليَ".

وتابع ابو عادل، قوله "بعد أن تمت احالتي إلى التقاعد، لم أعد أشعر بأن لي أي دور في هذه الحياة، فأنا أجلس هنا لأمضي وقتي المتبقي إلى أن يحين أجلي".

البطالة

علاء خريج كلية الاقتصاد منذ خمس سنوات، أشار إلى أنني "ارتاد المقاهي الشعبية منذ ثلاث سنوات، بعد ان قطعت الامل في حصولي على أي وظيفة أو فرصة عمل، فأنا أجتمع مع اصدقائي بشكل دوري لساعات، ونتباحث في امكانية تأسيس عمل جديد، ولكن جميع المحاولات تبوء بالفشل".

واردف "لم يعد امامي سوى الهجرة إلى الخارج، كما يفعل معظم الشباب، فالمغريات كثيرة، وبأبسط الاحوال أعلم انني في غربة، واني اعيش في مجتمع غريب، أفضل من العيش بغربة الوطن".

ومن جهتها قالت الباحثة الاجتماعية، وفاء طالب إن "سبب ارتياد الشباب تلك المقاهي ناهيك عن السبب الرئيس وهو البطالة، وإنما الهروب من الروتين، ونمطية تداول مفردات الحياة له دور كبير أيضاً في الاقبال عليها"، مشيرة إلى أن "أريحية المكان في المقهى، تتيح للشباب مساحة للحوار، واللقاء وطرح أفكارهم، كما أنها خلقت نوع من الاختلاف بالآراء ووجهات النظر".

وأضافت طالب، إن "ارتياد المقاهي تعد السبيل لتفريغ الشباب عن طاقاتهم، جراء الضغط الذي يعانون منه، بسبب عدم وجود فرص عمل، كما أنهم يجدون فيها جواً للتجمع والحوار والتسلية، بالإضافة إلى التعارف أيضاً بين أبناء المحافظات السورية الذين أجبرتهم الظروف القاسية على ترك منازلهم ومدنهم".

الكاتب: أحمد إبراهيم اسماعيل

المصدر:صحيفة كفاح العمال الاشتراكي

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك