الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

مقوماتها غائبة وصعوبات تعترضها..وزارة المالية أمام تحدٍّ حقيقي في تطبيق الفوترة

الاقتصاد اليوم ـ صحف:

في كل عام تخرج علينا وزارة المالية بقضية تطبيق الفوترة، فلا جديد، إلا تحركات جدية تجاه هذا الأمر ولكن كيف سيتم تطبيقها؟.. فوزارة المالية كانت قد اقترحت أكثر من مرة تطبيق نظام الفوترة وضريبة القيمة المضافة في عام 2008 – 2009 على أن تطبق في عام 2010، ولكن نتيجة عدم توفر البنية التحتية تم تأجيل تطبيقه، فهل توفرت حالياً العوامل السابقة لتطبيق الفوترة وضريبة القيمة المضافة؟.

أيضاً السنوات السابقة شهدت تصريحات لوزير المالية إسماعيل إسماعيل بأن التدني في التحصيلات الضريبية، يعود إلى قصور التشريع الضريبي وغياب مفعول النظام المعمول به، وغياب الثقة بين المكلف والإدارة الضريبية، وانتشار ثقافة التهرب الضريبي، مؤكداً ضرورة تطبيق نظام الفوترة لأنه أساس عمل وزارة المالية، أيضاً من إحدى تصريحاته السابقة هي “أنه لا يمكن إجراء أي إصلاح ضريبي دون نظام فوترة وعدالة ضريبية بين جميع المكلفين وضريبة القيمة المضافة”.

بالطبع التصريحات الجديدة الصادرة عن وزارة المالية كانت تدور في نفس الفلك، ولكن بأبعاد أخرى، حيث أشار معاون وزير المالية لشؤون الإيرادات جمال مدلجي، أن وزارة المالية اليوم أمام تحدٍّ هام، فالأمر لا يقف عند إنجاز النص التشريعي، بل إمكانية تطبيقه بشكل صحيح، وأن يكون نصاً كاملاً وغير مجتزأ، كي يستفيد المواطن بالدرجة الأولى من مسألة الفاتورة، التي ستحدّ من الارتفاع الجنوني للأسعار التي لا تحددها ضوابط، لافتاً إلى أنه سيكون هناك لائحة سيصدرها وزير المالية بالتعاون مع وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حول السلع والخدمات التي سيتم استثناؤها من موضوع الفاتورة، كالأعمال الحرة وبائعي الخضار والفواكه والبسطات، “لأننا نتحدث بالفاتورة عن عمليات البيع والشراء التي تتضمن سلعاً أو خدمات يمكن تداول الفاتورة بها”.‏

وأكد على أن تطبيق نظام الفوترة سيخفض الأسعار، ويحقق نوعاً من التنافس، في ظل انفلات الأسعار، وينهي التلاعب بالبيانات الجمركية، وإعطاء فاتورة صحيحة، لأن ذلك سيكون لصالح المستورد، وبتفعيل نظام الفوترة ستنتفي آلية التهريب، وسيحقق عدالة ضريبية، بالإضافة إلى أن دخول البضائع المستوردة للبلاد ستكون بأسعارها الحقيقية.

جملة من الأسئلة… ماذا عن تكاليف تحت الطاولة؟

بعد التصريحات السابقة لا بد من طرح جملة من الأسئلة: أولها هل هو الوقت المناسب لتطبيق الفوترة في أسواقنا حالياً؟.. وخاصة أن رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس، لفت وفقاً لدراسة، أن الظروف الحالية غير مناسبة لتطبيق الفوترة، وأنه سيكون لتطبيقه تأثيراً في ارتفاع أسعار المواد.. وماذا أيضاً عن التكاليف الأخرى التي يضعها التجار والمستوردون “غير المسجلة”، مثل الأتاوات وتكاليف النقل وغيرها، كيف سيتم تسجيلها؟.. فهل يمكن أن نقف على التكلفة الحقيقية لنقل البضائع من المرفأ إلى المستودعات مثلاً؟…

الغريب أنه في أيام الرخاء لم يتم تطبيق نظام الفوترة، فكيف يمكن تطبيق ذلك في ظل الظروف الراهنة، وخاصة أنه لا يوجد لدينا أرقام حقيقية لتطبيق نظام الفوترة وضريبة القيمة المضافة، “فالذي يُدفع تحت الطاولة كثير، فكيف يمكن احتسابه في تكاليف الإنتاج أو وضعه ضمن الفواتير؟!..”، مع الإشارة إلى أنه يوجد شركات تسجل بأسماء غير أسماء أصحابها الحقيقيين، وذلك من أجل تخفيض نسب الضرائب.

وبالطبع إن إصلاح النظام الضريبي يحتم علينا معرفة المنشآت الصناعية القائمة حالياً، وحجم عملها الحقيقي، وعدد عمالها، وأن تفصح الشركات عن ما لها وما عليها بشكل شفاف، مع أهمية أن يعلم المكلف بأن الضريبة التي يدفعها ستعود للصالح العام أي لمصلحته بالدرجة الأولى.

الآلية الضريبية غير واقعية حالياً

وإن ألقينا الضوء على النظام الضريبي في سورية، فهو غير عادل وغير منظم، وفق العديد من الخبراء، رغم إحداث هيئة خاصة فيه تتولى شؤونه، إلا أننا لم نلمس ولم نشهد أي تغيير في العملية الضريبية سواء من حيث العدالة أو الهيكلية، فالآلية المتبعة حالياً لم تتغير، فهي غير واقعية سواء من حيث التخمين الضريبي أو التكليف، وعلى الرغم من إحداث الهيئة العامة للرسوم والضرائب، فإن الفئة المعنية برفد الخزينة بالضرائب تُعامَل بشكل غير واقعي، ولا زال هناك فساد ورشى في القطاع الضريبي، فمثلاً “تاجر ما حجم أرباحه الشهرية عملياً تفوق دخل عشرة موظفين، ولكن نجده يدفع ضرائب أقل من موظف عادي؟!!، حيث أن حجم الضرائب التي يدفعها الموظف الحكومي من راتبه سنوياً تصل إلى ما يقارب 50 ألف ليرة وهي ضريبة الدخل، وهي تقتطع منه دائماً، فهل يا ترى كبار المكلفين والتجار يدفعون ما يوازي ما يدفعه الموظف الحكومي العادي سنوياً؟!.. لأننا نجد أن الكثير من التجار وكبار المكلفين لا تصل ضرائبهم السنوية إلى أكثر من 20 ألف ليرة”.

ماذا عن غياب الثقة والتأهيل؟

ومن المعروف أن التحصيل الضريبي يجب أن يكون بشكل تصاعدي، فكلما ارتفع الدخل يترتب ضريبة أكبر بطريقة منظمة، مع الابتعاد عن الفساد والرشاوى، ولا ننسى غياب الثقة بين المكلف والإدارة الضريببية، وخاصة مع غياب العدالة والمساواة بين المكلفين جميعاً، وهذا دفع العديد من التجار إلى جعل دفترين لهم، دفتر لوزارة المالية، وآخر لجيبه – وسيبقى هذا الأمر سائداً ما لم تُغير وزارة المالية من عقليّة عملها – وإذا لم تشارك المكلف وتجعله شريكاً حقيقياً في بناء المجتمع، وتقوم برفع ثقافته الضريبية، فإلى الآن لم نلاحظ أي حملة توعية ضريبية تقوم بها وزارة المالية، فيجب على وزارة المالية أن تُقنع المكلف أن الضريبة واجب وطني عليه، وأنها عادلة، ويكلف بطريقة شفافة.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن حجم التهرب الضريبي في سورية، وحسبما أشارت تقديرات اقتصادية يتراوح ما بين 40 إلى 50% من موارد الخزينة غير المحصلة بسبب التهرب الضريبي، أيضاً لا بد من السؤال هنا: هل العاملون في الدوائر الضريبية مؤهلون لتطبيق نظام الفوترة؟…

تاجر: يجب تطبيقها بأسس صحيحة

أحد التجار أوضح لصحيفة “الحياة السورية” أن تطبيق نظام الفوترة يجب أن يعتمد على أسس صحيحة تشمل جميع الحلقات، بدءاً من المرافئ السورية، ووصول البضائع إلى المستودعات، بحيث تدخل البضائع إلى الأسواق السورية بقيمتها الحقيقية وليس العكس.

ولفت إلى أن ذلك يتطلب أن تكون الرسوم الجمركية تتناسب مع دول الجوار، حتى لا يتم التلاعب بقيم البضائع ضمن الفواتير من قبل التجار، وفي حال تطابق الرسوم الجمركية مع الدول المجاورة يعني ذلك أنه لا داعي للتلاعب بالفواتير، ولا داعي حتى للتهريب.

وأكد على أهمية أن تقوم وزارة المالية بالاعتراف بكل التكاليف التي يتكبدها التاجر أو المصدِّر، أي يجب على وزارة المالية أن تعترف بكل إيصال يدفعه التاجر مثل تكاليف السفر، وتكاليف الإقامة في الفنادق، وغيرها من التكاليف التي يضعها التاجر في سبيل حصوله على البضائع التي يستوردها إلى سورية، ووضع هذه التكاليف ضمن بند تكلفة المنتج، وأن تُقبل من قبل وزارة المالية.

كما لفت إلى أهمية أن تعترف وزارة المالية بالتكاليف الأخرى التي تواجه التاجر، مثل التكاليف التي قد يدفعها على الطرق وأجور العتالة.

وأشار إلى أنه في حال أردنا تطبيق نظام الفوترة، فيجب أن تتدخل الدولة بقيمة البضائع، وأن يكون الضبط الجمركي صحيحاً، وأن يعلموا ماذا يستورد التجار، وأن يتم تسعير المواد وفقاً للبورصات العالمية، كما يجب أن يكون مكتب القيمة في الجمارك مدروساً ويمنح التجار حقوقها، بالإضافة إلى أهمية أن يكون تسديد قيمة الفاتورة بالقيمة المتعارف عليها في مصرف سورية المركزي.

وعن تحقيق الثقة بين المكلف والإدارة الضريبية أوضح التاجر أنه يجب أن يكون هناك ثقة بين الطرفين، ويمكن تحقيق الثقة عندما يتم تصديق التاجر، وعندما تقبل وزارة المالية كل التكاليف والأرقام الموجودة في الفواتير، مؤكداً على أن التاجر الشاطر اليوم من يربح 15 ليرة في أي سلعة يبيعها.

المصدر : صحيفة الحياة السورية

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك