الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

ميالة يلفت إلى مطارح ضريبية ميتة ويقول: إما أننا لم نرَها أم لا نريد أن نراها لسبب ما!؟

الاقتصاد اليوم:

إذا تساءل عشرة أشخاص كم يدفع رجل الأعمال هذا أو ذاك من ضرائب..؟، فلا أحد يحصل على الجواب…! وكما ينتظر منا دائماً قطاع المال والأعمال الخارجي الإفصاح والشفافية وخاصة من وزارة المالية في موضوع الضرائب والرسوم المالية، كذلك المواطن ينتظر منا أيضاً الإفصاح والشفافية كي يرتاح وهو يدفع الضريبة، ولن يصل إلى ذلك ويشعر بالعدالة إلاَّ عندما يرى غيره يدفع ما عليه من ضرائب وخاصة من أصحاب المال والأعمال.

وإذا أردنا من المواطن أن يلتزم بدفع الضرائب..، فيجب أن يعرف هل يدفع الكل ولاسيما أصحاب الأعمال ما عليهم، وكم يدفع كل منهم، وهل ما يدفعه يمثل القيمة الحقيقية المكلف بها..؟. فالمعرفة المستندة إلى الإفصاح والشفافية الكاملة تساهم في خلق حالة من الرضا والقبول والالتزام والمبادرة عند المواطن بما يفرض عليه من ضرائب، إن كان كل واحد من المكلفين في الدولة يدفع بالمقدار الصحيح الذي يحدّد وفقاً لحجم أعماله وبالتالي دخله وأرباحه الحقيقية.

إذا “الاقتصاد”..؟

ما سبق هو جملة ما ساقه وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور أديب ميالة من تساؤلات وتحفّظات على واقع قطاعنا المالي، كانت في عقر دار وزارة ماليتنا خلال تخصيص رئيس مجلس الوزراء المهندس عماد خميس اجتماعاً خاصاً بهذا القطاع مؤخراً، وللمفارقة جاءت بعد أن قدّم وزير المالية الدكتور مأمون حمدان عرضاً لما يعملون عليه من مشاريع لضبط وتصحيح واقعنا المالي وخاصة في جانبه الضريبي، الذي طالما تميّزت إدارته الضريبية في سورية بعدم قدرتها على ضبط إيقاع العمل في هذا الجانب المالي المهم للدولة والمواطنين معاً، حيث لم تؤدِّ الضريبة يوماً دورها في الحياة الاقتصادية والمعيشية، ولا حتى على صعيد الاستثمار داخل الاقتصاد الوطني وتوجيهه أو توطينه، وبالتالي هي لم تؤدّ أكثر من وظيفتها كمورد مالي للخزينة، وللعلم فإن إيرادات الضرائب تتوزع بين الرسوم المباشرة كضريبة الدخل والأرباح الحقيقية، وضريبة الرواتب والأجور، والضرائب والرسوم غير المباشرة كالرسوم الجمركية ورسم الطابع ورسم الإنفاق الاستهلاكي.

وحسب خبراء ماليين تميّزت الموازنات العامة في الدولة بشكل شبه دائم بتواضع حصيلة الإيرادات الضريبية فيها ولم تبلغ في أحسن أحوالها نسبة 35% من حجم الإيرادات العامة التي يأتي معظمها من ضرائب الدخل المقطوع وضريبة الرواتب والأجور والضرائب التي تفرض على شركات ومؤسسات القطاع العام وتتميّز بحصيلة قليلة وتكاليف عالية.

أكد المؤكد

وبالرجوع إلى صراحة ميّالة في طرحه نتوقف عند ما يدعم ما ذكرنا، فبرأيه الذي يؤكده، أن المراد في هذا الشأن يجب أن يكون بزيادة كفاءة التحصيل الضريبي، وهذا يقتضي تحسين الواقع الضريبي من خلال التفتيش عن مطارح ضريبية أفضل لأن العمل بهذا الاتجاه يؤدّي حكماً إلى زيادة كفاءة التحصيل.

ميالة أكد المؤكد الذي طالما تم التنبيه إليه وهو أن لدينا مطارح ضريبية ميّتة بمعنى أنها حتى الآن لم تعطِ أي شيء، متسائلاً: هل يعني هذا أننا لم نرَها أم أننا لا نريد أن نراها لسبب ما..!؟، وعليه فقد طالب بتسليط الضوء قبل كل شيء على زيادة كفاءة التحصيل الضريبي قبل فرض أي ضريبة، كما أكد أن هناك قوانين وقرارات موجودة تحتاج إلى العمل عليها مثل تأخر التحصيل الضريبي، مستغرباً عدم القدرة حتى الآن على تحصيل الرسوم والضرائب الواضحة والمستحقة في وقتها المحدد، بل يتم تحصيلها بعد فترة..، والسبب يكمن في تلك القوانين والقرارات وليس لأي سبب آخر، (مثل تحصيل الرسوم الحكومية المفروضة على بدل تقديم الخدمات العامة كرسوم الكهرباء والمياه وغيرها التي لا يتم تحصيلها بعد انتهاء الدورة مباشرة).

دون محاباة

ما صرّح به ميّالة دون محاباة وكان قد لمح إليه حمدان أيضاً خلال اجتماع مكتب الاقتصاد القطري بقوله في موضوع الضرائب: لم يكن يحسب للضرائب والرسوم الحساب الذي تستحقه في الاقتصاد..، يعيدنا إلى ما شهدته سنوات ما قبل الأزمة من عدم ارتفاع نسبة الضرائب والرسوم من الناتج المحلي ولا من إيرادات الموازنة العامة للدولة، فعلى الرغم من أن العبء الضريبي يشكل أكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن التحصيلات الضريبية لم تصل إلى أكثر من 11% منه في أحسن الأحوال. ويعود السبب في ذلك وفقاً لخبراء الضريبة إلى تركز المطارح الضريبية عند أصحاب الدخل المحدود، بينما بقي أصحاب الدخول العليا بعيدين عن تحصيل ما يجب تحصيله من ضرائب ورسوم منهم، بل طالما حاولوا التهرّب من دفع المبالغ المستحقة عليهم بشكل أو بآخر.

دلالات رقمية

وبدلالة الأرقام، بلغت نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس التي سبقت حدوث الأزمة بالمتوسط 65%، في حين بلغت نسبة ما سدّده هذا القطاع من ضرائب ورسوم بالمتوسط 2% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي، بالمقارنة مع القطاع العام الذي سدّد نسبة تزيد على 4% بالمتوسط خلال الفترة نفسها ولم تبلغ مساهمته في الناتج الإجمالي أكثر من 35%، ومن هنا نستطيع أن نلحظ حجم التهرّب الضريبي القائم ومدى حرمان الخزينة العامة من موارد مالية كان يمكن أن تستخدم في تغطية نفقاتها.

بقيت منخفضة

وعلى الرغم من فرض الإدارة الضريبية الكثير من الضرائب غير المباشرة والرسوم الجديدة خلال سنوات الأزمة، إلا أن التحصيلات الضريبية انخفضت بشكل كبير، فمثلاً بلغت تحصيلات الخزينة العامة من رسم الإنفاق الاستهلاكي خلال النصف الأول من عام 2015 مبلغ 13 مليار ليرة فقط أي ما يعادل 26 مليون دولار فقط، وبمقارنة هذا الرقم مع الفترة نفسها من عام 2011 وهو نحو 30 مليار ليرة، نلاحظ انخفاضاً بنسبة تقارب 57% وإذا ما حوّلنا الرقم الأخير إلى الدولار حسب سعر الصرف آنذاك 50 ليرة فهو يعادل 600 مليون دولار، وهنا يتضح حجم المصيبة بأن التضخم الحاصل يلتهم موارد الدولة المالية دون هوادة، حيث يبلغ معدل الانخفاض أكثر من 95.5%، وهذا يعني أن أي تحسّن بالرقم المجرد لا يعني بالضرورة تحسّناً في التحصيل الضريبي لدى الخزينة العامة، وهذا ما يؤكده الخبراء. وعليه نتساءل عما يشكله رقم تحصيلاتنا الضريبية العام الماضي وهي تقل أو تزيد على 500 مليار ليرة.. من قيمة حقيقية مقارنة مع ما كان سابقاً..؟!.

إحراج وتلميح..!

في السياق نفسه كنا طرحنا على مسؤول في القطاع المالي، بعد أن كثر الإعلان كنسب مئوية عن تنامي التحصيلات الضريبية حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي، لماذا لم تعلنوا المبلغ صراحة.. لنتأكد أن ما تحقق يعدّ “غير مسبوق” كما تم التعليق عند إعلان النسب..!. اكتفى صاحبنا بهزّ الرأس في إشارة تترجم ذلك المثل: “اللي بيعرف بيعرف..”، ما يعني صوابية رأي أهل الخبرة الآنف وهو أن تحسّن الرقم لا يعني تحسّن التحصيل..، وهذا يرجعنا إلى رأي وزير الاقتصاد ميالة في كفاءة التحصيل وعدالته، حيث يرى أيضاً أن هناك نقطة أخرى مهمة جداً وهي أن الواردات ليست في الحقيقة من زيادة الضرائب والرسوم -والتي يرى حين فرضها- أخذ وضع المواطن في الحسابات حين احتساب الضريبة والنسب الضريبية على حدّ تعبيره.

غمز..!

ولعل ما تناوله ميّالة في موضوع التشابكات المالية بين الجهات الحكومية ما يشي بوجود إشكالية في ترابط الواقع المالي، إذ  اعتبر موضوع التشابكات أكثر من مهم بالنسبة لكل الجهات الحكومية وبالتالي لوزارة المالية، مطالباً بحلحلة هذا الموضوع وإنهائه، ومشيراً إلى أنه وخلال الـ11 سنة الأخيرة تم حل تلك التشابكات مرتين، ومع ذلك نعود إلى الوقوع بالموضوع نفسه، وعليه تمنى عدم الوقوع بالتشابكات المالية محمّلاً التنفيذيين في الجهات المالية الدور الأكبر في تلافي هذا الموضوع، كما طلب من وزارة المالية لعب دور أكبر في موضوع التشريع، لأن قراراتها في الأصل تشريعية، ودورها ودور وزيرها تشريعي كذلك.

البعث

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك