الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

هل أصبح المواطن السوري في مجتمع باتت فيه المسؤولية الاجتماعية عبئاً؟

الاقتصاد اليوم:

الظروف الراهنة التي تمر على سورية أثرت بشكل بالغ على الجانب الاقتصادي الذي أثر بدوره على الجانب الاجتماعي، فمن المعروف أن الجانبين الاقتصادي والاجتماعي متلازمان ولا يمكن الفصل بينهما، ومن الآثار البالغة للأزمة على القطاع الاجتماعي ما نقرؤه في كل يوم عن مظاهر جديدة لم تكن موجودة سابقا في مجتمعنا السوري.

وبالطبع هذه الظواهر الجديدة كانت منعكسا مباشرا للعوامل الاقتصادية الصعبة التي تمر على الأسر السورية، ومن أهمها ارتفاع معدلات البطالة بين صفوف المواطنين بالإضافة إلى التسريح التعسفي الذي طال الكثير من عمال القطاع الخاص، وقد سجل عدد العمال المسرحين في القطاع الخاص فقط، 140 ألف عامل وفق ما صرح به وزير العمل خلف العبد الله خلال العام الماضي، أيضا ووفق إحصاءات لمؤسسة التأمينات الاجتماعية فإن هناك نحو 35% من قوة العمل السورية البالغة 4,5 ملايين شخص تعمل في قطاعات العمل الخاص غير النظامي، وعددهم لا يقل عن مليونَيْ مواطن، وهناك نسبة كبرى منهم توقفت أعمالهم الحرفية والخدمية والتجارية بسبب الأحداث الراهنة.

وبلغت نسبة الإعالة في البلاد من 1 إلى 1,4 أشخاص، ومع توقف المنشآت وفقدان فرص العمل يتضح حجم الآثار المعيشية المباشرة على حياة العاملين، مضافاً إليها الغلاء وارتفاع الأسعار وآثار العقوبات والحصار الاقتصادي وعمل تجار الأزمات والمحتكرين والفساد.

وهنا لا بد من طرح سؤال مفاده: أين هو قطاع الأعمال السوري في ظل الظروف الراهنة التي تمر على سورية؟ هل تحمّل مسؤولياته الاجتماعية أم أنه تناسى دوره الاجتماعي ونأى بنفسه؟.

ولكن قبل كل شيء لا بد من معرفة ما هي المسؤولية الاجتماعية لقطاع الأعمال: وتعني بأن يكون البعد الاجتماعي والأخلاقي إلى جانب البعد الاقتصادي، وتحقيق نمو في الأرباح عبر الالتزام بمتطلبات التنمية الاجتماعية وتحسين نوعية وظروف الحياة لأفراد المجتمع.

القطاع العام تحمل مسؤوليته والخاص معذور!!

الباحث الاقتصادي نضال طالب أوضح، أن القطاع العام يُشهد له بتحمل مسؤوليته الاجتماعية منذ بدء الأزمة ولغاية اللحظة، حيث لم يقم بتسريح العمال رغم توقف العديد من المعامل والشركات العامة عن العمل في المناطق الساخنة، وإلى هذه اللحظة يتم دفع رواتب لهم كمسؤولية اجتماعية من الحكومة تجاه العمال.

أما بالنسبة للقطاع الخاص فهو بالطبع لم يتحمل مسؤوليته الاجتماعية تجاه العمال أو ذوي الدخل المحدود، لافتا إلى أن القطاع الخاص معذور حيال ذلك لأنه عبارة عن مستثمر ومشروع اقتصادي يهدف إلى الربح أكثر من هدفه الاجتماعي، فهو يبحث عن الآمان ليوطن رأس ماله، فهو ليس مشروعا خيريا بل مشروع اقتصادي، وبنفس الوقت لا يمكن أن ننكر أنه قام بدور اجتماعي ولكن ليس كما يجب ومن المفترض أن يكون أكبر من ذلك خلال الأزمة التي تمر على سورية.

 هيئة خاصة

بالمقابل أوضح عضو في غرفة تجارة دمشق فضل عدم ذكر اسمه أن قطاع الأعمال يقوم بدوره الاجتماعي ولكن بشكل فردي وغير منظم، مشيراً إلى أن مشاركة قطاع الأعمال في المسؤولية الاجتماعية يجب أن تتم تحت مظلة واحدة لا أن يبقى فردياً لأنه غير كاف لتحقيق الغاية من المسؤولية الاجتماعية، فهو يضطر لممارسة دوره الاجتماعي عن طريق بعض الجمعيات الخيرية والأهلية، وبالطبع الجمعيات لن تكون على دراية كاملة بكل المحتاجين وخاصة فئة العمال المسرحين أو المتعطلين عن العمل، حيث أن قطاع الأعمال والاتحادات هم على دراية كاملة بعدد العمال الذين تعطلوا عن العمل نتيجة الظروف الراهنة.

وأكد على ضرورة أن يكون للقطاع الخاص هيئة خاصة به للمشاركة في المسؤولية الاجتماعية، فهناك الكثير من العمال والتجار أيضاً دخلوا مرحلة العوز وهم يحتاجون إلى مساعدة، وعندما تكون الاتحادات مجتمعة سواء غرف الصناعة أو الزراعة أو غيرها تحت مظلة واحدة وهيئة واحدة للقيام بدورهم الاجتماعي، فهم يستطيعون أن يتوجهوا بشكل صحيح ومنظم إلى المحتاج الحقيقي.

واقترح عضو غرفة تجارة دمشق إنشاء صندوق إغاثة لموظفي وعمال وتجار وصناعيي القطاع الخاص، لتحقيق المسؤولية الاجتماعية لقطاع الأعمال.

التكافل لا يزال موجود

وأشار عضو غرفة تجارة دمشق، إلى أن قطاع الأعمال ارتبط منذ عام 2005-2006 وما بعد بمنهج اقتصاد السوق الاجتماعي وأخذت هذه الفكرة تترسخ في قطاع الأعمال بشكل عام، وفي ظل الظروف الراهنة فإن جزءاً ليس بقليل من قطاع الأعمال في القطاع الخاص حافظ على مسؤوليته الاجتماعية ولم يعمل على تسريح عماله وموظفيه، وإن كان عمل على تخفيض رواتبهم وأجورهم وحوافزهم، ولكن نجد بالمقابل أن قطاع الأعمال كان أمام تحد كبير وكان لطول عمر الأزمة الراهنة وعمقها أثر بالغ على قطاع الأعمال، مما جعل الكثير من الشركات الخاصة تتراجع عن دورها الاجتماعي ولم تعد تستطيع السير في مسؤولياتها الاجتماعية والتحمل أكثر، بسبب الأزمة وطول عمرها وما حققته من خسائر كبيرة لقطاع الأعمال.

وأضاف:” لكن وبشكل عام يمكن القول بأن التكافل والتضامن الاجتماعي في المجتمع السوري موجود، وإن تخلي بعض قطاع الأعمال عن دوره الاجتماعي جاء نتيجة ضخامة الأزمة، ونحن كأعضاء في المجتمع الأهلي نتمنى أن يبقى قطاع الأعمال مستمراً في مسؤوليته الاجتماعية تجاه المجتمع والعمال، مع تقديرنا لجهوده ولخسائره التي يتعرض لها ولكن لا ننسى أن العمال يعتبرون أيضاً محرك العملية الإنتاجية”.

وأوضح أن القطاع العام بالطبع كان مختلفا، فمعظم المواطنين يرغبون بالعمل في القطاع العام كونه ضامنا حقيقيا للمواطن فراتب الموظف مستمر ولا ينقص سواء أكان هناك عمل أم لم يكن، كما أنهم لا يتعرضون للتسريح التعسفي على عكس القطاع الخاص، وإن كان موظفو القطاع العام قد تأثروا أيضاً من الناحية المادية المتعلقة بالحوافز والإضافي، ولكن القطاع العام استطاع أن يحافظ على قوة العمل لديه ولعب دوره الاجتماعي بشكل كبير.

وعن مدى تحمل قطاع الأعمال لمسؤوليته الاجتماعية تجاه عماله وكادره، أكد أن ما تم تسجيله خلال الأزمة الراهنة كان في حقيقة الأمر مؤسف للغاية حيث بلغت أعداد المسرحين تعسفياً من القطاع الخاص أرقاماً هائلة، كما أن هناك الكثير من العمال الذين لم يسرحوا فقدوا نسبة كبيرة من رواتبهم على الرغم من أن صاحب العمل قادر ومتمكن من تسديدها كاملة، أي: إن جزءا من قطاع الأعمال استغل الأزمة بشكل سلبي، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن أن ننكر أن هناك الكثير من أصحاب العمل حافظوا على عمالهم بل وساعدوهم ومدّوا يد العون لهم.

اتجاهان للمسؤولية

وكان الدكتور رسلان خضور قد أوضح في إحدى محاضراته السابقة، أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية يقوم على اتجاهين، الأول: يرى ضرورة وجود إطار تنظيمي لهذه المسؤولية من قبل الحكومة من خلال تعليمات ومواثيق، والاتجاه الثاني ينظر إلى هذه المسؤولية على أنها نشاط تطوعي لا يتطلب قوانين أو ضوابط لأنها قد تزيد البيروقراطية، مؤكداً على وجود معايير دولية لقياس المسؤولية الاجتماعية للشركات ويحمّل قطاع الأعمال في سورية مسؤوليته لأن التشاركية المطروحة لدينا يجب ألا تفهم بأنها تشاركية في المكاسب وتقاسم الأرباح بل تعني أيضاً وعلى قدم المساواة التشاركية في الواجبات والمسؤوليات الاجتماعية، منوهاً أن للمسؤولية الاجتماعية مستويين: الأول إلزامي “دفع ضرائب – تسجيل العاملين في التأمينات – المسؤولية تجاه البيئة..”والثاني طوعي “أعمال خيرية – مساهمة في البحث العلمي والتطوير- المسؤولية تجاه العاملين”.‏ ‏

وقال أيضاً:”في الوقت الذي يساهم فيه قطاع الأعمال الخاص بنحو 70٪ من الدخل الوطني فإن مسؤوليته الاجتماعية لا تتناسب إطلاقاً مع هذا الرقم الكبير إذ يساهم بنسبة 30٪ فقط في إيرادات الضرائب ونسبة تسجيل عماله في التأمينات الاجتماعية ما بين 30 – 50٪ فقط وأعباء التأمين الصحي والاجتماعي تقع بشكل كبير على عاتق العمال”.

تعليق:

بعد عرض السابق يبقى القول: إن الظروف الراهنة تحتم علينا وعلى جميع الفعاليات الاقتصادية أن تقوم بدورها الاجتماعي تجاه المجتمع وأفراده، لأن أي أزمة ستنعكس بشكل كبير على ذوي الدخل المحدود بالدرجة الأولى ومن ثم على باقي المستويات الاقتصادية، كما يجب على الحكومة أن تضع في خططها الحالية والمستقبلية كيفية المساهمة في المسؤولية الاجتماعية لسائر القطاعات، ولا ضير من إلزام الشركات الخاصة وقطاع الأعمال الخاص بذلك، وأن يتم إفراد العديد من الصفحات للخطط الاقتصادية، وأن يلازم هذه الصفحات صفحات أخرى للجانب الاجتماعي، وكيفية دفع قطاع الأعمال ليلعب دوره الريادي في تحمل مسؤوليته الاجتماعية، كما لابد من تنظيم المسؤولية الاجتماعية بحيث لا تكون فردية، بل أن تكون منظمة وموجهة للمحتاجين حقا، ونأمل من قطاع الأعمال أن يقوم بدوره ومسؤوليته الاجتماعية على أكمل وجه وقدر الإمكان في ظل الظروف الراهنة، كما نأمل من الحكومة أن تعمل جاهدة مع قطاع الأعمال ودفْعه إلى تحمّل مسؤوليته الاجتماعية من خلال تقديم التسهيلات اللازمة لذلك.

المصدر: موقع "سينسيريا"

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك