الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

هل تحبون التلصص على أسرار أغنياء سورية؟

الاقتصاد اليوم:

يفرد “أبو محمد” بيضة مسلوقة على رغيف خبز كي تعلق آثار منها على كل الرغيف السميك ” المحمض” الذي يحاول عبثاً الحفاظ على قوامه متماسكاً.

عندما يعود من دوامه الليلي في حراسة منزل أحد المسؤولين في هذا البلد، بعدما تم فرزه لهذه المهمة، يلازم محلاً لبيع الفروج قبل الحصول على بعض من ساعات القيلولة، ومن ثم الالتحاق بمهمة حراسته ثانية.

بكل صدق يجيب “والله يا خيتي.. الكلب اللي عندو نيالو، فكيف بدك تكون حياتو وحياة ولادو؟ كلما تحرك ابنه مشوار صغير بسيارته.. والمرافقة الذين معه يصرفون محروقات أكثر من دخلي الشهري، من العملين اللذين أقوم بهما” الحراسة وبيع الفروج.

لم تمر الحرب على أغنياء سورية، وكذلك لم يجهدوا أنفسهم في التفكير بكيفية تجنيب أبنائهم الدخول في هذه الحرب وحمل السلاح، فهذا ليس من اختصاصهم، بل إن من يعمل عندهم يجب أن يستمر بأداء عمله، ويعفى أيضاً من قصص العسكرية و”حماية الوطن” كما يقال لأبناء الفقراء!

في هذا الموضوع حاولنا أن نتابع عن قرب كيف يعيش أغنياء سورية في بلدهم، ورحمة بمصادر المعلومات جاء الموضوع مغفلاً من الأسماء.

لكل أسرة من هؤلاء الأغنياء سواء أكانوا يشغلون مناصب حكومية ـ أي مسؤولين ـ أم كانوا من أغنياء جمعوا ثرواتهم بطريقة أو بأخرى، لسنا بصدد مناقشة مصدرها الآن، لكل أسرة أسطول من السيارات والخدم والحشم، كأن تجد أكثر من 30 سائقاً متفرغين لتلبية طلبات إحدى العائلات وتحركات أفرادها، وهذا العدد يزداد عند عائلات الأغنياء أو ينقص تبعاً للرصيد الذي “تجنيه” العائلة مع كل مطلع شمس!

في فوارق الحياة بين أغنياء سورية وفقرائها تصبح التفاصيل صادمة، خاصة مع هذه الحرب التي أوصلت الكثير من الناس إلى حالة الجوع الحقيقي:

لا يعرفون شيئاً عن الأزمات التي يعيشها الناس، إلا في الحسابات النهائية على الورق، حيث تزداد أحياناً قمية الفواتير التي يسددونها، فعندما كان الحصول على ليتر من المازوت يشبه المعجزة، بتأثير عدم توفر المادة وارتفاع السعر، كانت “صهاريج” من المازوت تفرغ محتويات لا تقلّ عن ألفي لتر من تلك المادة في خزانات هذه الفيلا أو تلك، وكذلك الحال في الأزمات الأخرى، كأزمة الماء التي مرت، أو الغاز أو….الخ.

بذخ خيالي

كان صاحب أحد المطاعم يأمر عماله بتجهيز الوجبة لنقلها إلى بيت أحدهم بناء على طلبه، قد يكون الأمر طبيعياً، لكن ما كان مفاجئاً هو أن تكلفة تلك الوجبة بلغت 120 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل أكثر من راتب وزير في الدولة السورية، ونحو ثلاثة أضغاف راتب موظف من الفئة الأولى.

لا يعرف أبناء الأغنياء سياسة التوفير وطرق التدبير التي يشتهر بها السوريون في هذه الحرب، مثلاً تتصل “نيرمين” بواحدة من بين الخادمات الخمس، وتطلب منها أن ترسل لها مع السائق تفاحة واحدة إلى المدرسة، التفاحة من النوع الأخضر الأمريكي ” كولدن” وقد يجاوز سعر الكيلو منه في سورية ألفي ليرة، طبعاً لن يذهب إلى أيِّ من مدارس الدولة، حيث يكتظ الطلاب في المقاعد والقاعات، بل على السائق أن يحرك السيارة عدة كيلومتر كي تصل ” التفاحة” إلى “نيرمين” في مدرسة تصنف ضمن النجوم العشرة، لا الخمسة.

أما قيمة وجبة الشاورما التي طلبتها ابنة أحدهم لها ولصديقتها التي ركنت سيارتها ( البورش) ودخلت فيلا صديقتها، فبلغت 13 ألف ليرة، لم يفاجأ المحاسب وهو يطلب مبلغاً كهذا، كما حصل مع السائق الذي سيأخذ “الطلبية”، فقد صار إنتاج محله مخصصاً لزبائن لم يدخل السائق “أبو أمجد” عالمهم بعد.

أوتوماتيك

في كثير من الأيام لا يرغب ابن أحد أغنياء سورية في العودة من مدرسته إلى البيت، لأنه اتفق مع مجموعة أخرى من أبناء ” بشوات مثله” أن يتناولوا الغداء في المطعم، تنتظره السيارة بسائق يعمل كما آلات “الأوتوماتيك” إذ عليه التنفيذ لكل الطلبات “من تم ساكت” مقابل راتب شهري يقل عن سعر الثلاثة كيلوات من الحلويات التي أحضرها من أحد محلات الحلويات المشهورة في سورية إلى “الأستاذ” أي والد الشاب قبل أن يقله إلى المطعم. أمضى الشاب ساعات هو ورفاقه، كان إنتاجه من البذخ خلالها 100 ألف ليرة، وأنفق إضافة لهذا المبلغ تكاليف تحريك سياراتهم، وهدر وقتاً طويلاً لسائقين ينتظرون مهما طال الزمن حتى يُؤمروا بالتحرك، ويمكن لهذا الطقس أن يتكرر أكثر من مرة في الأسبوع، إلى المطاعم أو حمامات السوق، أو النوادي…الخ.

كالآلات ينتظر السائقون الفقراء ” الأساتذة” الأغنياء وأولادهم مهما طالت سهراتهم أو جلساتهم في المطاعم، وغالباً ما يتحرك أسطول من السيارات لكي يوصل أفراد هذه العائلة أو تلك من البيت إلى المدرسة أو مكان العمل أو بالعكس، من المدارس إلى البيت، فكل منهم يعود بمفرده إلى المكان الذي يختاره، وتالياً يمكن أن تجد عدد سيارات يساوي عدد الأولاد في هذه المدرسة أو تلك، لتقل كلاً منهم منفرداً إلى حيث يشتهي هذه الليلة!

لا يتوقف أسطول السيارات بسائقيها عن العمل، فعليهم دائماً أن يكونوا بحالة جاهزية للتوجه إلى المطاعم أو صالات الرياضة أو دور التجميل، أو المسابح، أو…..أو…، وهذا العمل يصبح مضاعفاً أيام الصيف حيث تكثر النزهات والسياحة.

“صحت المدام”

ليس على “المدام” في هذه الفيلا أو تلك سوى النهوض من سريرها، حتى تتحرك الشغالات كما الآلات المقرونة، لتخديم منزل تزيد مساحة كل طابق منه عن مئات الأمتار، ويبدأ العمل من تبديل الشراشف، وانتهاء بالخدمات المطلوبة منهن للمدام. “المدامات” في تلك المنازل الفخمة لا يكبرن ولا يمر عليهن الزمن، كما أن الأزمة الطاحنة في البلاد لم تمر على العائلة بأكملها، فمهما كبرن يبدَون بعمر يقل أكثر بنحو 30 عاماً، كما يقول من يعرفهن عن قرب، فالألبسة من أفخم الماركات العالمية، وقد سبق للكثير من الكتاب في الغرب أن تحدثوا عن الطريقة التي تتسوق بها نساء العرب من باريس مثلاً، ونسبة منهن سوريات، وكما الملابس كذلك مساحيق التجميل والمرطبات ومغذيات البشرة والشعر وغيرها مما يتم اختراعه لأمثالهن، للحفاظ على الجمال والشباب الدائم.

في هذه المنازل لا تجيد الكثير من النساء أو البنات الطبخ، أو حتى قلي البيض، وأصلاً لا يُعد الطعام في المنازل فهم على علاقة دائمة مع المطاعم، وعندما تكون هناك عزائم وولائم كبيرة يأتي المطبخ المتحرك بسيارة إلى جانب الفيلا كي يعد الطعام ويقدم ساخناً، وهناك عائلات تعتمد طريقة “البوفيه المفتوح”، وبعضها الآخر يتحرك موكب سيارات كي ينقل الطعام من المطاعم المخصصة لطلباتهم إلى المنزل.

طقوس للهدايا

ليس حال هذه العائلات كحال بقية السوريين الذين بدأت الكثير من عاداتهم تموت تدريجياً، كعادة تبادل حتى أبسط أنواع الهدايا، وذلك بسبب الغلاء والفقر الذي يطال أكثر من 80% من السكان، لكن عند تلك الشريحة يختلف الأمر فبعد العودة من كل جولة سياحية (بيروت، “دوباي”، باريس…) يستنفر طاقم السائقين وينتشر كل منهم في اتجاه لإيصال هذه الهدية الفخمة أو تلك لسيدات يتشابهن في حياة “العز” في بلد يتناهب سكانه فقر يصل حد الجوع، بعد حرب تأكل أولادهم قبل طعامهم، ثم لا يلبث أن يتكرر المشهد ذاته، مع صاحبة الهدايا هذه المرة لتكون هذه المرة متلقية للهدايا.

لكل شيء

لكل اختصاص مدرس، فهناك مختصون في الرياضة مهمتهم متابعة حالة كل منطقة في جسم الوالدين وأبنائهما، يقصدون منازلهم ويتابعونهم في صالاتهم الرياضية، كي تبدو الأجسام منحوتة كما يجب.

وكذلك للمسابح، وخبراء التجميل، فقد يذهبون إليهم أو العكس، هناك مدرسون للواجبات الدراسية وللموسيقا، وللغات، وأغلب أولادهم يجيدون اللغات الأجنبية كالفرنسية أو الإنكليزية أكثر من العربية، تبعاً لانتماء المدارس التي يدرسون فيها.

في إحدى المناسبات للطبقة المخملية في فندق الشام بدمشق، تجمع أكثر من 83 سائقاً في الخارج بانتظار “أسيادهم” في الداخل، أحد السائقين أكد أن أكثر من 30 شخصاً منهم مطلوبون لخدمة للجيش، ولكن لأن خدماتهم يحتاجها هؤلاء “الأسياد” فهم يحمونهم من طلبات الالتحاق، كما يحصل عندما يؤخذ أولاد الفقراء من بيوتهم، يتدبرون أمورهم كما سبق لهم أن تدبروا أمور أبنائهم، ولكن ليس محبة بهم بل لأجل أن يظلوا في خدمتهم.

اعتراف

منذ مدة وأنا أحاول جمع هذه المعلومات عن طريقة عيش الأغنياء، فأنا ممن يعرفون كل تفاصيل حياة الفقراء، وللحقيقة بعد التوصل إلى هذه المعلومات لم يعد يتوقف شريط مشاهد الفقر والفقراء عن الدوران في مخيلتي، بدءاً من الجندي الذي لا تصله حتى حبة البطاطا في كثير من الأيام والأماكن، وانتهاء بكل السيدات اللواتي يبدون أكبر من أعمارهن بعشرات السنيين بعدما أنهكتهن الحياة. أتذكر الشابة “لبنى” وهي تبدي استيائها من حجم ” الإنهاك” الذي يعيشه والداها في تأمين مصاريف الأبناء من العمل الزراعي، وممن يقتّرون حتى في كسرات الخبز.

والنتيجة

اختصاصي علم النفس الاجتماعي د. حسام سليمان الشحاذة، يرى أن الفوارق الطبقية في الحياة تشعر أبناء الطبقة الوسطى خاصة بالاغتراب النفسي، والانفعالي والاجتماعي، وهم داخل حدود الوطن، بسبب معاناتهم من ضعف الوازع الأخلاقي لدى مجموعات طبقية أخرى، وغيرها من التأثيرات التي طالت أبناء الطبقة الوسطى خلال الأزمة السورية.

أضاف الشحاذة أن تأثير الفوارق الطبقية قد يكون أقوى على أطفال الطبقة الوسطى، وقد تترك آثارها السلبية محفورة في العقل اللاواعي، أو العقل الباطن لدى الأطفال، سواء على المدى القريب أو البعيد، والتي قد تظهر في المراحل العمرية اللاحقة بصورة مشاعر هدامة وسلوك مضاد للمجتمع، فعدم قدرة الأب على شراء قطعة حلوى لطفله قد يجعل من الطفل يحمل في داخله مشاعر الحقد على طفل آخر يستطع فعل ذلك.

المصدر: آسيا نيوز

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك