هل فشلت وزارة التجارة بإدارة ملف الرقابة والتسعير؟
الاقتصاد اليوم:
من منّا لا يذكر تصريحات الدكتور عبد الله الغربي وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بعد أيام على استلام منصبه الجديد تحت قبة مجلس الشعب عندما قال حرفياً: سترون بعد ثلاثة أشهر وزارة جديدة تختلف جذرياً عن سابقاتها.
حينها عدّ البعض من الاختصاصيين والمتابعين للشأن التمويني أن الغربي قد رفع كثيراً من سقف التوقعات لوزارة لطالما سميت «المحرقة» لشاغليها، ولعل ما عزز ورسّخ هذا الاعتقاد مرور أكثر من عام على تولي الغربي للوزارة في ظل تواضع الإنجازات وتلاشي الوعود…؟ لكن من باب الإنصاف يحسب للغربي الفضل في إعادة البياض لرغيف الخبز ومحاربة الخلل في هذا القطاع، وحمل راية إعادة هيكلة مؤسسات الوزارة، وتسجيل أعلى نسبة إعفاءات وتغييرات على مستوى الوزارات في الحكومة، أما في ملف ضبط الأسعار ومحاربة الغلاء فيتشارك الغربي وأسلافه السابقون ممن تعاقبوا على الوزارة الفشل على الرغم من كون هذا الملف الأكثر أهمية وحساسية للمواطنين، ويكاد يتربع على عرش اهتماماتهم ومطالبهم منذ بداية الأزمة.
عودة إلى الوراء
بعد عام على بدء الأزمة في البلاد، وتحديداً 2012 سارعت الحكومة إلى فصل وزارة التموين سابقاً عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وسمي المولود الجديد «وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك»، وسلحت بقوانين قيل عنها آنذاك: إنها الأكثر عصرية وحداثة، وأنيطت بها مواجهة آثار الأزمة الاقتصادية، ولاسيما الجانب المتعلق بارتفاع الأسعار والخلل الحاصل في الأسواق، لكن بعد خمس سنوات على وجود الوزارة يحق لنا أن نسأل عن الإنجازات المحققة، ولاسيما تلك المتعلقة بحماية المواطن من الاحتكار والجشع من التجار…؟
لم نوفق
على الرغم من الصورة الإيجابية المأخوذة عن كيفية تعاطي الوزير الغربي مع الإعلام والإعلاميين، حيث آثرت الوزارة الامتناع عن الرد على أسئلتنا الموجهة لها عبر مكتبها الصحفي والتي تمحورت حول إعادة هيكلة مؤسساتها وفشلها في ملف التسعير والإجراءات المتخذة لمعالجة هذا الملف، والأهم تقييم تجربتها ضمن هذا الإطار واستيضاح أسباب فشل قرارات تحديد هوامش الأرباح في تحقيق غاياتها وعدم تلمس المواطن نتائجها في الأسواق، إضافة إلى اتهامات المواطنين للوزارة بمحاباة التجار، ومثالهم تراجع الوزارة عن إحالة الضبوط التموينية إلى القضاء العسكري؟
في الأسواق
في استطلاع لآراء المواطنين في بعض أسواق طرطوس، باعتبار أن الهموم والأوجاع المتعلقة بملف الأسعار هي ذاتها على امتداد ساحات الوطن ومحافظاته، ولتسألهم عن رأيهم وتقييمهم لعمل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك خلال الأزمة؟ وهل هم مع سحب ملف التسعير والرقابة من الوزارة؟ حيث أجمع أغلبية المواطنين على الأداء السلبي للوزارة أثناء الأزمة، مسجلين تذمرهم وسخطهم الكبير للوضع المأسوي الذي وصلت إليه حال الأسواق والارتفاعات الجنونية لأغلبية السلع والمواد المتفلتة من كل القوانين والأعراف، مؤكدين غياب الرقابة التموينية، مطالبين بسحب ملف التسعير والرقابة على الأسعار منها لفشلها الذريع فيه وتلطي أغلبية العاملين في القطاع الرقابي خلف هذا الملف لتحقيق مكاسب مادية غير مشروعة على حساب المواطن ولقمة عيشه، واعتبر المواطنون أن التجار قد أكلوا البيضة وقشرتها، وهم أسياد السوق الحقيقيون المتحكمون بآليات التسعير بلا منازع، متسائلين: هل محاربة الغلاء تكون عبر إصدار القرارات والتعاميم والتصريحات النارية والوعيد والتهديد؟ ولماذا التأخير في محاربة الفساد المستشري في بعض مفاصل الأجهزة الرقابية التابعة للوزارة…؟
لا بل إن البعض من الذين استطلعنا آراءهم ذهب بعيداً، ملمحاً إلى أن وجود الوزارة أو عدم وجودها لن يغيّر كثيراً من المشهد الكارثي للأسواق.
إعادة الهيكلة
من جهة ثانية رفض أصحاب الرأي الاقتصادي والأكاديميون كل الكلام عن إلغاء الوزارة أو سحب ملف التسعير والرقابة منها، حيث رأى الدكتور سنان علي ديب المحاضر في كلية الاقتصاد في جامعة تشرين في اللاذقية ورئيس جمعية العلوم الاقتصادية أن توقيت إنشاء هذه الوزارة كان ضرورياً بسبب ظروف الأزمة وتداعياتها وضرورة تدخل الحكومة لضبط الأسعار من جهتين، الأولى التدخل الإيجابي في الأسواق من خلال مؤسساتها، والثانية من ناحية الرقابة والمتابعة المستمرة للأسعار، لافتاً إلى أن الوزارة لم تنجح في الحالتين لأسباب ذاتية وموضوعية، ولعدم وجود الأدوات والصلاحيات، وإن وجدت لعدم وجود النيات، حيث خلقت هذه الوزارة واستمرت كواجهة أو ديكور، عملها يحابي الاحتكار ويكرس أسعار السوق، ولم تخلق شيئاً جديداً يخدم المواطنين والأهداف التي وجدت لأجلها، فالأدوات الرقابية هي ذاتها التي كان يشتكي منها المواطن، هدفها الاستفادة وليس الضبط، أدواتها غايوية وليست وسيلة للعقاب والردع، ومؤسساتها تستجر بضائعها من التجار نفسهم من دون القدرة على المنافسة وكسر الأسعار.
وأضاف ديب: في الأوقات الراهنة حصلت تغيرات هيكلية ونشاط واضح في عمل الوزارة، لكن بالعقلية والأسلوب السابقين نفسيهما، ولم تجدد الأساليب لتحقيق الأهداف، لافتاً إلى أن طرح فكرة إلغاء الوزارة أو إقصاء ملف التسعير والرقابة عن صلاحياتها خطأ، بل يجب الترميم والإصلاح لضرورات المصلحة العامة، ولاسيما بعد طرح مشروع التطوير الإداري الذي يجب أن يكون منطلقاً لتحديد الإمكانات والحاجات لتحقيق الأهداف مع ضرورة الاستمرار بالمراقبة والمتابعة والمحاسبة المستمرة الدائمة، وإن امتلاك ووجود أدوات حكومية لفرض ما يناسب المواطن ضروري في ظروف الأزمة الراهنة ليعيد ديب ويؤكد أن سوء العمل يوجب التطوير وليس الإلغاء.
الدكتور مدين علي المحاضر في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق لم يخرج في حديثه عن طرح زميله ديب، حيث أكد عدم جواز طرح فكرة إلغاء الوزارة أو إقصائها عن الرقابة والتسعير في ظروف الأزمة الحالية، وحالة الفوضى التي تعيشها الأسواق، لافتاً إلى أن المستفيد الأول من طروحات كهذه هم التجار.
ودعا علي الوزارة إلى تطبيق مشروع الإصلاح الإداري على أجهزتها الرقابية، والإسراع فيه لإعادة الزخم والحيوية لنشاطها وتحقيق برامجها وأهدافها التي تهم المواطن، مستندة إلى قاعدة فكفكة مافيات الاحتكار الموجودة حالياً في الأسواق والآليات العوجاء التي فرضتها لجهة الإنتاج والتسويق كخطوة أولى لتحقيق النجاح في ملف ارتفاع الأسعار وضرورة العمل على مواجهة سياسة الجشع وانعدام الأخلاق السائدة حالياً لدى الكثير من التجار المتمثلة بعدم تقيدهم بنسب الأرباح المحددة. وتابع علي: نتمنى أن تنجح الوزارة مستقبلاً في تغيير الصورة السلبية المطبوعة في عقول المواطنين عن مراقبي التموين المرتبطة بالكثير من صور الفساد وقبض المعلوم ومحاباة التجار واسترضائهم.
لا.. تعليق
منذ أيام قرأت مقالاً في إحدى الصحف الزميلة بقلم وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الدكتور عبد الله الغربي، وأعترف أن أكثر ما استرعى انتباهي وأثار فضولي في المقال عنوانه «في زمن الاصلاح الاداري.. لا مكان للشعارات» من دون… تعليق.
تشرين
تعليقات الزوار
|
|