الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

هل يمكن للجامعات السورية ان تتحول رقمياً؟.. مركز مداد يجيب

الاقتصاد اليوم ـ خاص:

مركز دمشق للأبحاث والدراسات مداد

د. خليل عجمي

كانت الدولة السورية من الدول السبّاقة عام 2002 –على مستوى المنطقة والعالم– باعتماد نموذج التعلُّم الإلكترونيّ؛ ذلك بإحداث الجامعة الافتراضية السورية، كهيئةٍ علميةٍ عامةٍ تَرَسّخَ وجودها طوال عقدين من الزمن، بتقديمها نموذجاً للتعلم والعمل عن بعد، اعتماداً على منظومةٍ تعليميّةٍ وإداريّةٍ مؤتمتةٍ وقابلةٍ للتشغيل عن بعد، قائمةٍ على توليد وإدارة وإثراء محتوى رقمي علمي وتعليمي مُخزّن محليّاً، يشكّل حجر أساس الجامعة.

لكنَّ السبقَ الذي حققته الدولة السوريّة في هذا المجال، لم يساعد –طوال العقدين الماضيين– في دفع منظومة التعليم العالي لرفدِ نموذج التعليم التقليديّ –الذي تتبناه– ودعمهِ بنموذج تعليم حديث متمازج مع النموذج الإلكتروني، يعتمد على المحتوى الرقميّ التعليميّ والعلميّ، ومقبولٍ من أصحاب المصلحة فيها، دون أن يعني هذا استبدالاً للتعليم التقليدي أو نقداً لاستمراريته خصوصاً أن للتعليم الافتراضي حدوداً لا يمكنه تجاوزها في الكثير من الاختصاصات التي تحتاج لعملٍ مخبري تجريبي مباشر.

أولاً- بعض أسباب تأخر منظومة التعليم العالي في تبني منطق التحول الرقمي

1.    عدم تآلف جزء كبير من أعضاء الهيئة التعليمية مع منطق المحتوى الرقميّ التفاعليّ والتشاركي والمفتوح لما يتطلبه من جهد وتدريب وممارسات جيدة ومحترفة، وعدّه عبئاً لا عائد منه، وخصوصاً مع دخول سورية مرحلة الحرب وصعوبة الظرف المعيشي وانخفاض القوة الشرائية وانشغال الكثير من أعضاء الهيئة التعليمية بالعمل التدريسي الذي يسمح بتحصيل أكبر قدرٍ من العائد، سواء في التعليم الخاص أو الافتراضي أو المفتوح، إضافةً لالتزام هذا الكادر بعمله في الجامعات الحكومية العامة وهو ما يعرّضه لأعباءٍ مهنيةٍ كبيرةٍ جداً؛

2.    البنية الرقمية المتعثّرة لمؤسساتنا التعليمية والتي نجمت عن: (1) نظرة ضيقة لمفهوم التحول الرقمي واقتصار هذه النظرة على موضوع شراء حواسب ومخدمات وربطها بالإنترنت؛ (2) عدم تمتع هذه المؤسسات بمنظومة إدارية ومالية تساعد في جذب كوادر وخبرات عالية يمكنها أن تساعد في تصميم وإنجاز حلولٍ رقميةٍ متطورة.

3.    الثقافة المحافظة للمنظومة الأكاديمية السوريّة التي تجعل قسماً من القائمين عليها من إداراتٍ وأساتذةٍ رافضاً لأي تقييم، وممتنعاً عن أي توثيقٍ رقميّ لأعماله يمكن أن يجعله عرضةً لهذا التقييم. إضافةً إلى خوف بعضهم من أن يتحول التوثيق الرقمي إلى كاشفٍ للعيوب والثغرات والعلل؛

4.    الثقافة التعليمية المتقادمة والقائمة على التعليم التلقيني للمعلومة، وعلى "تجارة النوَط والملخصات" في بعض الحالات، والاعتقاد الخاطئ بأن مكانة ومصلحة الكادر التعليمي مصانة بامتلاك المعلومة وتلقينها، رغم انتماء هذا الكادر إلى عصرٍ رقميٍّ مفتوحٍ قائم على التعلم الذاتيّ والتشاركيّ والتفاعليّ لم تعد فيه المعلومة (المجانية بطبيعتها) مُهمةً، إلا في سياق المعرفة التي تولدها بتكاملها مع معلوماتٍ أخرى.

ثانياً- حلول آنية سريعة لاستمرار العمليّة التعليميّة في جامعاتنا

يساعد تآلف قسمٍ لا بأس به من الهيئة التعليمية مع منظومة الجامعة الافتراضية السورية (حيث يدّرس أكثر من 500 عضو هيئة تعليمية من مختلف الجامعات والمعاهد العليا السورية في الجامعة الافتراضية السورية)، على تسهيل المهمة في المرحلة الحالية بوساطة حلول أولية تتولاها الكليات والجامعات وتتضمن:

1.    تجهيز منصات إدارة تعلم (هناك العديد من الأنظمة مفتوحة المصدر القابلة للتنصيب بسهولة) وهي منظومات برمجية سهلة التنصيب على مخدّمات الجامعات، تساعد الأساتذة والطلاب على رفع المحاضرات والوثائق على نحوٍ غير متزامن (يقوم الأستاذ بتحميل وثائق على صفحة خاصة به من المنصة ويقوم طلابه لاحقاً بتنزيلها من هذه الصفحة)، وهناك عدد من المؤسسات التعليمية التقليدية التي سبق ونصَّبَت مثل هذه المنصات سابقاً دون تفعيلها، وباشر بعضهم بتفعيلها واستثمارها في الظرف الحالي كحلٍ سريع.

2.    استخدام برمجية الصف الافتراضي المعتمدة لتسجيل المحاضرات في الجامعة الافتراضية السورية (والتي وضعتها الجامعة الافتراضية منذ بداية إغلاق المدارس والجامعات بتصرف الجميع مع دليل استثمار لها)، وهي عبارة عن برمجية بسيطة تشكل جزءاً من نظام الصف الافتراضي الأكبر في الجامعة، ولكنها الجزء الذي يسمح بتسجيل المحاضرات من قبل المدرسين على حواسبهم الشخصية وبحجوم تخزين صغيرة (وهو أمر مهم جداً لتسهيل عملية تحميل المحاضرات وتنزيلها)، وبحيث يمكن للأستاذ بعد التسجيل رفع محاضرته على المنصة الخاصة بالجامعة أو بالكلية التي يتبع لها (وهي المنصة التي تكلّمنا عنها في 1) أو على أي موقع يراه مناسباً، ويمكن للطلاب تنزيلها وسماعها لاحقاً باستخدام البرمجية نفسها.

3.    لا يمكن حالياً لجامعاتنا تنفيذ تعليم متزامن (تفاعل وتواصل الأساتذة والطلاب ضمن صفوف ومجموعات على نحوٍ متزامن عبر الإنترنت وضمن بيئة صفوف افتراضية) دون إجراء تعديلات على البنى التحتية العتادية والبرمجية للجامعات التي ترغب بذلك، سواء باستخدام نظام الصف الافتراضي المتكامل المعتمد في الجامعة الافتراضية السورية (والتي تشكل البرمجية المذكورة في 2 جزءاً منه) أو باستخدام أي نظام عالمي آخر.

ثالثاً- مشروع المنصة الرقمية المفتوحة للتعليم العالي
في أي عمل منهجيٍ تقانيّ يسعى للاندماج في منطق التحول الرقمي المعاصر، تبقى الكلمة المفتاحية للنجاح هي "المحتوى الرقميّ"، وهي كلمة قد يتسبب تناسيها في تعثّر الكثير من محاولات تطوير البنية الرقميّة.

تثبت تجربة الجامعة الافتراضية السوريّة هذه الفكرة، فتطوير المنظومة المعلوماتيّة للجامعة ترافق مع زيادة حجم ونوعية المحتوى الرقميّ العلميّ والتعليميّ والإداريّ الذي تولده وتديره، وذلك ضمن عملية متكاملة. إذ لا تنتفي الحاجة الحيوية للمنظومة المعلوماتية على المستويين العتادي والبرمجي، لكن عدم تزويد المنظومة المعلوماتية بآليات سلسة لتوليد وإثراء وإدارة واستثمار المحتوى الرقميّ الذي تحتضنه، مع آليات للاستفادة منه في توليد قيمة مضافة علمية أو اقتصادية، سيؤدي إلى ولادة منظومة معلوماتية ضعيفة وغير مستثمرة على النحو المأمول. لهذا لن تنجح أية منصة تعليمية –تمثيلاً لا حصراً– ما لم تتمكن من توليد وإثراء واستثمار محتوى تعليمي مرجعي مقبول للطلاب والأساتذة السوريين، يشكّل لهم جاذباً مقبولاً وحيوياً وسلساً، يخفف من وطأة توجههم نحو محتوى عالمي على الإنترنت، سواء على اليوتيوب أو على المنصات التعليمية، مثل: Coursera وغيرها (وهو ما يتسبب إضافةً لكل ما سبق بعبءٍ اقتصادي ومالي هائل على دارات الاتصال الدولية السورية).

لا يقتصر هذا الأمر على التعليم، بل يتعداه إلى القطاعات الثقافية والإعلامية والاقتصادية والترفيهية وغيرها، والتي يمكن لها في حال وفّرت البنية المعلوماتية والتحتية المحلية وقامت بإثرائها بالمحتوى السوريّ المحليّ الملائم (إعلامي، فني، تجاري، ترفيهي
... إلخ)، أن توجّه اتصال السوريين من المنصات الدولية إلى منصات محلية، وأن تخفف كثيراً من الأعباء التقنية والمالية للاتصال بالإنترنت، وأن تشكل أساساً متيناً لبنية رقمية قابلة للاستثمار في إنشاء صناعات رقمية ذات عوائد كبيرة تسهم في دعم الاقتصاد الوطني، مع القناعة بأن هذا العمل هو عمل تراكمي لا يأتي بين ليلةٍ وضحاها،  لكن يمكن تحقيقه في سورية في بضع سنوات بإيجاد آليات دعم مرنة وبتضافر جهود عدة قطاعات كالتعليم العالي والإعلام والثقافة والاتصالات وغيرها، تسهم في تطوير سياسة للمحتوى الرقمي كجزءٍ من سياسة وطنية للتحول الرقمي تشكل دعامة لمشروع الحكومة الإلكترونية.

توصيف عام للمشروع

تسعى الجامعة الافتراضية السوريّة إلى تنفيذ مشروع منصة رقمية متكاملة للتعليم العالي تعتمد على مقررات يحضّرها أساتذة معتمدون، وتتضمن محتوى متعدد الأنماط، يمكن إثراؤها من قبل أصحاب المحتوى ضمن صيغة مفتوحة ومجانية للطلاب، هدفها إتاحة الفرصة للمدرسين لتقديم المحتوى التعليمي كلٌّ حسب اختصاصه، وللطلاب الحصول على مقررات مبوّبة مع إمكانية البحث والتصفية، آخذين بالحسبان النقاط الآتية:

1.    تُعَدّ المنصة وسيلة تعليمية تضمن تواصل الطلاب بعضهم مع بعض من جهة، وبين الطلاب والمدرسين من جهة أخرى، مع الاستفادة من إمكانية التنبيه والإشعارات (كالاستفسارات والإجابة عنها، والتذكير بالدروس).

2.    تتيح المنصة نشر محتوى علمي موثوق بحيث يستطيع الطلاب الذين يرغبون بالحصول على محتوى تعليمي في مجال معين الوصول للمحتوى المرغوب بسهولة وسرعة بوساطة التبويبات ومزايا البحث والفلترة.

3.    لا تقتصر سهولة الاستخدام على الوصول إلى المحتوى فقط؛ بل وعلى طريقة عرض المحتوى، وتقسيمه وإمكانية عرضه والبحث فيه وتحميله عن طريق تطبيق الموبايل.
4.    توفر المنصة بوابة خاصة بكل جامعة لنشر محتواها العلمي وعرض مزاياها وفروعها وخدماتها. بالإضافة إلى إمكانية نشر مستندات علمية (كتب، حلقات بحث، مشاريع تخرج) ضمن البوابة.

5.    يجري اعتماد الأساتذة المدرسين في الجامعة الافتراضية كدفعةٍ أولى من "المدرسين المعتمدين"، ومن ثم اعتماد آلية تسجيل سلسة تسمح لأساتذة ومعلمين من مؤسسات أكاديمية وعلمية أخرى بالتسجيل ضمن المنصة "كمدرسين معتمدين".  وتوفر المنصة بوابة خاصة بكل مدرّس مُعتمد لنشر محتواه العلمي وعرضه واتّباعه باسم الجامعة التي ينتمي إليها. تتيح المنصة للمدرس (الذي يقدّم المحتوى) إمكانية متابعة الاستفسارات والإجابة عنها؛ وذلك بعدة طرق تضمن سهولة التواصل وخصوصيته (الإجابة عن الاستفسارات في الدروس والمنتديات والمحادثات الخاصة).

6.    تتيح المنصة للطلاب التسجيل فيها على نحوٍ سلسٍ وبسيط (كما هو الحال في المنصات التعليمية المفتوحة كافّة) للاطّلاع على المحتوى التعليمي واستثماره، ومن ثم إثراؤه ضمن ضوابط محددة.

7.    ترتبط المنصة بمنظومة الصف الافتراضي الخاصة بالجامعة الافتراضية السورية، بما يسمح للأساتذة بإنشاء صفوف افتراضية متزامنة ودعوة طلاب لحضورها أو تسجيل محاضرات بطريقة غير متزامنة، ومن ثم تحميل محاضراتهم كجزء من المحتوى التعليمي المسؤولين عن إنشائه أو تطويره.

8.    يمكن في نسخٍ لاحقة من المنصة أن تحصل الجامعات على فائدة مادية بحيث يكون التسجيل مدفوع (إلكترونياً) لبعض المحتويات التعليمية. كما يمكن للطالب الراغب بتعلم مجال كامل وليس دروساً محددة، أن يسجل بحيث يحضر مجموعة متسلسلة من المقررات يحصل في نهايتها على درجة معينة.

مراحل ومستلزمات المشروع
1.    
تطوير البنية البرمجية للمنصة
بدأت الجامعة الافتراضية السورية التخطيط للمشروع منذ منتصف عام 2019، وبدأت بتمويل مشروع المنصة من ميزانتيها الاستثمارية مع بداية عام 2020 بعد الحصول على الموافقات اللازمة ووفق المراحل الآتية:

‌أ.    تجري عملية التطوير حالياً، حيث سيجري إطلاق النسخة الأولى من المنصة في بداية الشهر التاسع من هذا العام، مع تدريب مجموعة من أعضاء الهيئة التعليمية في كل جامعة حكومية (نحو 30 عضو هيئة تعليمية من كل جامعة) على استخدام المنصة ليكونوا بمثابة نواة مساعدة على استثمار المنصة في جامعاتهم.

‌ب.    سيتم ربط المنصة بنظام الصف الافتراضي الحالي الخاص بالجامعة الافتراضية، لتنفيذ محاضرات تزامنية بين أساتذة وطلاب مسجلين في المنصة في حال سمحت التجارب التي نجريها حالياً بتأمين المستلزمات اللازمة لهذا الربط والتشغيل حسب ما سنوضحه في الفقرة التالية.

‌ج.    يجري تطوير النسخ اللاحقة من المنصة بإضافة ميزات وخدمات تدريجية لمدة عام، بدءاً من تاريخ تشغيل النسخة الأولى وبإشراف كادر الجامعة الافتراضية السورية وبتمويل من مواردها الذاتية وضمن خططها الاستثمارية (كما هو مخطط له منذ العام الماضي)
.
‌د.    في نهاية عام 2021، يجري تسليم الخدمات التي تشرف على إنشائها الجامعة الافتراضية السورية ضمن شبكة التعليم العالي والبحث العلمي (ومنها المنصة الرقمية المذكورة) إلى وزارة التعليم العالي بعد الانتهاء من مرحلة الربط الشبكي بين الجامعات وإنشاء الشبكة، وذلك بهدف تعيين إدارة تقانية مستقلة لشبكة التعليم العالي والبحث العلمي ولخدماتها، وتغطية الشبكة مالياً وإدارياً من الموارد الذاتية للجامعات المشاركة فيها.

2.    توليد وإثراء المحتوى الرقمي التعليمي

تسعى الجامعة لتلافي الأسباب التي كانت وراء تأخر التعليم العالي في الالتحاق بمنطق التحول الرقمي، وخصوصاً تلك المتعلقة بتأخر الكثير من أعضاء الهيئة التعليمية في الانتقال إلى اعتماد المحتوى الرقمي التعليمي كأساس للعملية التعليمية والتعلمية.

يجري أولاً ومع انطلاق النسخة الأولى من المنصة، نقل المناهج التعليمية التي تمتلكها الجامعة الافتراضية السورية من نظام إدارة التعلم الخاص بها إلى هذه المنصة بصيغة نصية قابلة للبحث والاستثمار، وذلك لتأمين كتلة أولية مقبولة في عملية الإقلاع تساعد في جذب الطلاب في الاختصاصات التي تحتضنها الجامعة.

يتضمن المحتوى إضافةً إلى المقررات التعليمية التي تمتلكها الجامعة والمخزنة بصيغ نصية قابلة للبحث والاستثمار عدداً من المحاضرات المسجلة في التخصصات التي تحتضنها الجامعة الافتراضية، مع إمكانية دخول الأساتذة المعتمدين إلى تلك المقررات، والعمل على إثرائها، أو توليد مقررات جديدة في اختصاصات مختلفة.

في مَعرضِ عملية التدريب التي تشمل 30 متدرّباً من أعضاء الهيئة التعليمية من كل جامعة حكومية في اختصاصات مختلفة، ستركز العمليّة على إنجاز المتدربين لمحتويات تعليمية خاصة بهم على المنصة، الأمر الذي سيسهم إسهاماً أوليّاً إضافيّاً في تطوير محتوى المنصة.

بعد إقلاع النسخة الأولى، ستتقدم الجامعة الافتراضية بمشروع قرار إلى مجلس التعليم العالي يسمح بحصول المدرس الذي يقوم بتطوير مقرر على المنصة، بالحصول على نقاط يمكن إضافتها إلى مجموع النقاط التي تسمح بترفيعه في مرتبات الهيئات التعليمية.
تسعى الجامعة منذ الآن للتعاون مع مجموعات التطوع الطلابية المنتشرة في مختلف الكليات، والتي تتعاون بدورها مع الأساتذة لتدوين المحاضرات ومراجعتها وتوزيعها على بقية الطلاب، كي يصبح هذا التدوين رقمياً ومفتوحاً ومجانياً وبإشراف الأساتذة، ما يخفف من العبء المادي الذي يتكبده الطالب في شراء النوط والملخصات التي يجري تدوينها وتصويرها وبيعها في الأكشاك.
تأمل الجامعة لاحقاً أن تولّد المنصة دينامية خاصة بها تزيد من تشجيع المشاركين فيها وأعضاء الهيئات التعليمية على الاستثمار في المحتوى والخروج من قوقعة التفكير النمطي القائم على حسبان المعلومة "كنزاً" يجب إخفاؤه، والانفتاح على التجارب العالمية في هذا المجال والتي أثبتت أن المعلومة لا تأخذ قيمتها الحقيقية إلا بنشرها وربطها مع معلومات أخرى في سياق معرفي متكامل.

3.    تأمين البنية التحتية العتادية والتشغيلية

تمتلك الجامعة الافتراضية السورية بنية تحتية جيدة تسمح بتخديم طلابها وتأمين وصول أكثر من 12 ألف طالب (عدد الطلاب المسجلين والمفعلين في فصل واحد) إلى أنظمتها المختلفة، وتحقيق أكثر من 30 محاضرة متزامنة بنظام الصف الافتراضي لنحو من 1000 طالب في الفترة التدريسية نفسها (هناك 8 فترات تدريسية في اليوم الواحد مدّة كل منها ساعتان، يمكن جدولتها من قِبَل الأساتذة والطلاب حسب اتفاقهم من الساعة 8 صباحاً إلى الساعة 12 ليلاً على مدى 7 أيام في الأسبوع متضمناً يوم الجمعة).

كما يمكن للجامعة اعتماداً على بنيتها التحتية، تخزين المحاضرات المتزامنة للمقررات وتوفيرها للطلاب بشكل مستمر ولبضعة أعوام إلى الوراء، وهو أمر ممكن نتيجة قدرة نظام الصف الافتراضي الذي تملكه على توليد محاضرة مدتها ساعتان بحجم بسيط نسبياً لا يتجاوز 15 ميغابايت، وهو ما يسمح للطلاب والأساتذة بإجراء محاضراتهم المتزامنة، ومن ثم تحميلها أو تنزيلها من موقع الجامعة، ويسمح للجامعة بتخزين محاضراتها ولسنوات عديدة بكلف تخزين منخفضة نسبياً، في حين يبلغ حجم المحاضرة نفسها على أنظمة الصفوف الافتراضية الأحدث نحو عشرة أضعاف حجم المحاضرة المنفذة بنظام الصف الافتراضي الخاص بالجامعة، أي نحو 120 ميغابايت.

لكن هذه البنية تصبح غير قادرة على تخديم منظومة أكبر بكثير (يتوقع أن يكون الحجم المطلوب للتشغيل طوال العام الأول من إطلاق المنصة وخدماتها يعادل 5 أضعاف قدرة الجامعة الحالية على التخديم). إذ يتطلب فتح المنصة لطلاب ومدرسي الجامعات السورية لتنفيذ محاضرات متزامنة، أو إضافة عروض فيديوية يمكن تشغيلها من المنصة (على شاكلة موقع يوتيوب العالمي)، تطوير البنية التحتية للمنصة بالتعاون مع وزارة الاتصالات لاستثمار مركز المعطيات لديها، من أجل تنفيذ خدمات نقل فيديوي (streaming) سلسة وتأمين إمكانية الوصول لعشرات الآلاف من الطلاب إلى موقع المنصة، وتسهيل عملية اتصالهم بها وتعاملهم معها. وتعمل الجامعة الافتراضية حالياً على تحضير هذه المتطلبات تمهيداً للتعاون مع وزارة الاتصالات والهيئات التابعة لها للنظر في إمكانية تأمين هذه المستلزمات، وهو أمر يجري التحضير لإطلاقه مع النسخة الأولى للمنصة في شهر أيلول/سبتمبر 2020.

رابعاً- الآفاق

يُعَدّ مشروع المنصة المفتوحة للتعليم العالي بمثابة نموذج يمكن لاحقاً للكثير من المؤسسات التعليمية أو المهنية المنتمية إلى قطاعات أخرى، العمل على استنساخه أو تطوير منصات شبيهة له أكثر تطوراً وتنوعاً في مجال عملها (إعلام، صحافة، ... إلخ)، ويمكن لهذا النمط من الأعمال أن يكون مفتوحاً ومجانياً أو أن يكون مدفوعاً باشتراكات (وخصوصاً بعد تفعيل منظومة الدفع الإلكتروني السورية) بما  يسهم في تمويل هذه المشاريع وفي تحريك عجلة الاقتصاد في مجال ما زال الاستثمار فيه قليلاً، ويشكل منجماً استثمارياً هائلاً تستطيع سورية بوساطته –وبالبناء على عقود طويلة من التعريب والاهتمام باللغة العربية– أن تصبح رائدة في مجال صناعة المحتوى الرقمي العربي بمختلف صنوفه التعليمية والتجارية والإعلامية والفنية والثقافية والترفيهية.

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك