الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

وجاء موسم حرائق الغابات: المتهم عود كبريت وآلاف المستفيدين

الاقتصاد اليوم:

أرادوها جرداء سوداء كما لياليهم, تجار الحطب والفحم, أعداء الخضرة والجمال فانتهكوا حرماتها…. هكذا هم وحوش الغابات أعداء المساحات الخضراء , وما على الجهات العامة إلا إصلاح الأضرار والترميم والترقيع وتسجيل الأفعال ضد مجهولين!!

أثارت الحرائق المشتعلة خلال الأيام الماضية في حراج منطقة مصياف وغاباتها تساؤلات كثيرة, حيث التهمت النيران مساحات واسعة من الغابات الواقعة في محمية البستان قدرت مساحتها ب800 دونم, وبلغ عدد الحرائق ثمانية خلال أقل من أسبوع.

تساؤلات محيرة

أسئلة كثيرة ترددت على ألسنة سكان مدينة مصياف وما حولها, لماذا تحدث تلك الحرائق في منطقة آمنة وبعيدة عن العصابات الإرهابية وجرائمها وقذائف حقدها؟ فمن يقف خلفها؟ وهل عجزت الجهات المختصة في المنطقة عن محاسبة تلك الأيادي الآثمة في افتعال هذه الحرائق؟ ولاسيما أن العام الماضي وقبله تكررت الحرائق وشملت أيضا مئات الدونمات لمختلف أنواع الأشجار الحراجية في المحمية, بل إن هذه الغابات باتت مهددة بالزوال من جراء الاعتداءات المتكرارة من حرق وقطع وغيرهما, حيث ارتفعت وتيرة هذه التعديات عاماً بعد عام حتى بدأت تطلق نداءات استغاثة لإنقاذها والحفاظ على ما تبقى منها.

كف اليد عن الأملاك العامة

أكد عدد من أهالي مدينة مصياف أن هذه الحرائق حدثت بفعل فاعل ومتعمد بهدف وضع اليد والسيطرة عليها, إما لاستثمارها وزراعتها بأشجار الزيتون وإما لقطعها والمتاجرة بها لبيعها وقوداً للتدفئة.
غسان إسماعيل قال: أصبحت جبال مصياف أشبه بالجبل الأقرع بسبب الأيادي الشريرة الممتدة اليها بعد أن كانت روعة في الجمال والخضرة والمناظر الخلابة بأشجارها الشامخة التي تجلب الهواء النقي والأمطار الخيرة, لكن لصوص الغابات وتجار الحطب حولوها إلى أراض جرداء للاستيلاء عليها, وقال: نناشد ونطلب من جميع الجهات المعنية في المحافظة معاقبة الفاعلين وكف يد كل من استولى على الأملاك العامة.

دعوة لحماية الغابات

الدكتور قاهر أبو الجدايل وهو مغترب عائد إلى الوطن يتحدث بحزن شديد بسبب ما آلت إليه تلك الغابات والجبال فقال:ما حصل في مصياف وقرى البستان والفندارة أشبه بالإبادة البيئية الحراجية وهذه كارثة وطنية ولها مؤشرات وأبعاد خطيرة: البعد الأول، يتمثل في الاتجار بالأشجار وقطعها ثم تصديرها.
البعد الثاني: وضع اليد على هذه الأراضي العامة، أما البعد الثالث فهو الأخطر الذي يهدد المجتمع ومحيطه الحيوي… وبالتالي لا بد من وضع حدود للذين يعيثون فساداً وخراباً في المنطقة, لذلك-والقول للدكتور أبو الجدايل- أنعى إلى الشعب السوري وزوال البيئة الحراجية والسياحية في مصياف, لأن مثل هذه الأفعال ستمنع قيام المشاريع السياحية والصناعية والحيوية في المنطقة.
وأضاف د. أبو الجدايل, شاركت مع المواطنين والجهات المعنية في العمل على إخماد الحريق وهذا واجب علينا جميعاً, بل أدعو المجتمع بكل شرائحه للدفاع عن وجوده وكيانه ضد الفاسدين وضد المسلحين ممن يهددون ويقتلون ويدمرون حضارتنا وهذه المسؤولية تضطع بها مؤسسات الدولة القادرة على دعم ومساندة المجتمع الأهلي.

غياب دور الجهات العامة

عمر عبد الله يتوجه باللوم ويحمل المسؤولية للمعنيين الموجودين في المنطقة نتيجة تكرار هذه الأفعال والسماح بممارستها وقال: من يشاهد هذه التعديات والأفعال الإجرامية بحق الطبيعة. يؤكد غياب الجهات المعنية عن القيام بدورها في مدينة مصياف, وكل المعنيين والمسؤولين فيها غير أكفياء للقيام بمهامهم, ومن يقوم بإشعال الحرائق أو قطع الأشجار يمتلك السلاح ولا يهاب أحداً, ويتساءل عبد الله قائلا: عندما تقطع الأشجار وتنقل إلى محافظات أخرى, , فلماذا لا تتم مصادرتها والإبلاغ عنها؟ ومن جهة أخرى، نجد غياباً كاملاً لدور الجهات العامة في المنطقة من المعنيين في مديرية الزراعة والحراج. ولو كانت هناك متابعة للمستفيد من إشعال الحرائق سيظهر الفاعل الحقيقي, لأن من حرق وقطع هو نفسه واضع اليد عليها لاستثمارها لاحقا, وطرح عبد الله بعض الحلول للحد من هذه الجرائم بحق الغابات من خلال تشكيل فرق تطوعية من الشباب مهمتها الإبلاغ عن المشكلات كحد أدنى لما تتعرض له الغابات من قطع جائر أو حرق, كما يجب على اللجنة المختصة في المحافظة فرض سيطرتها للحد من تلك الجرائم وملاحقة الفاعل وتقديمه للقضاء وعدم التهاون مع أحد.

تخمد لتشتعل في موقع آخر

أنس العلي من قرية عاشق عمر قال: بدأ مسلسل الحرائق منذ سنوات, حرائق بالجملة حصلت في الصيف الماضي مع ارتفاع درجات الحرارة , ففي يوم واحد طالت النار مئات الدونمات من أشجار الصنوبر والسنديان والبلوط بدأت من الجنوب إلى الشمال في الغابات القريبة من قريتي عاشق عمر وكاف الحبش جنوب مدينة مصياف حيث قامت عناصر الإطفاء بإخماده, لكن لم تمض ساعات قليلة حتى عادت واشتعلت من جديد لتشتعل في مكان آخر على طريق عام مصياف حماه في موقع يسمى قبر الشوباصي, كما اندلعت النيران في حراج وأراضي قرية بقراقة وعنبورة حيث بدأت ألسنة اللهب والنار واضحة لمسافات بعيدة كل ذلك يدل على أن الحريق بفعل فاعل ومقصود.

إخماد الحرائق وتطويقها

وأوضح قائد فوج إطفاء حماة ثائر الحسن أن الحريق الذي نشب يعد الخامس في المنطقة خلال الاسبوع الماضي حيث اندلعت أربعة حرائق يعتقد أنها مفتعلة من قبل مجهولين وأن فرق الإطفاء من محافظة حماة وطرطوس قامت بإخمادها بالتعاون مع الأهالي, وكان عناصر إطفاء حراج حماة قد أخمدوا حريقاً نشب في موقع حير عباس في منطقة مصياف وأسفر عن حرق نحو 5 دونمات من غابات السنديان والصنوبر.

رئيس مركز إطفاء زراعة مصياف مدين العلي أشار إلى أن فرق الإطفاء استطاعت تطويق النيران وإخماد الحريق في الجهة الجنوبية الغربية من غابة البستان، لافتاً إلى أن هبوب الرياح الشديدة ووعورة تضاريس المنطقة أخرا الوصول إلى بؤر النيران وإحكام السيطرة عليها.

وصلت حتى حدود طرطوس

رئيس مجلس مدينة مصياف محمد ابراهيم الشيخ علي قال: شارك مجلس مدينة مصياف ومن خلال الآليات الموجودة والإمكانات المتوافرة لديه في مساعدة رجال إطفاء مدينة طرطوس ودائرة زراعة مصياف, وللأسف شمل الحريق أجمل المواقع بدءاً من الطريق الممتدة بين قرية الرصافة والبيضة وهي غنية بأشجار الصنوبر المثمر والمزروعة بشكل منظم وجميل وكانت غابات البيضة الأكثر احتراقاً, امتدت من قرية البستان حتى عين حلاقيم وحرش البيضة, وأضاف أن أغلب المساحات في محمية البستان تعرضت للاحتراق ووصلت إلى حدود طرطوس وفي عين حلاقيم وصلت الى حدود المنازل واقتصرت الأضرار على المادية فقط.

استغلال العطل والظروف الجوية

وأوضح الشيخ علي أن الحريق كان مفتعلاً ومقصوداً وما يؤكد ذلك أنه وأول مرة يحدث الحريق في شهر نيسان، علماً بأن الاستعدادات للحريق تبدأ من شهر أيار وتالياً الفاعل استغل الظروف الجوية وهبوب الرياح الشديدة وأيام العطل ليقوم بالحرق وذلك بعد أن كان قد قطع الأشجار حيث تبقى الأغصان الصغيرة والأوراق وتصبح كالبنزين سريعة الاشتعال بعد يباسها, وأشار رئيس مجلس المدينة إلى تعرض بعض عناصر الإطفاء والمشاركين في الإخماد إلى أضرار بسيطة تراوحت بين الاختناق والحروق البسيطة وتم نقلهم إلى المشفى للعلاج.

400 دونم حراج صناعي

رئيس دائرة الحراج في مصياف المهندس عماد ناصيف قال:بلغت مساحة الغابات التي شملها الحريق في الأسبوع الماضي أكثر من 800 دونم منها 400 دونم حراج صناعي مزروعة بأشجار الصنوبر الثمري عمرها 50 عاماً, وحوالي 100 دونم حراج طبيعي بأشجار متنوعة, وتركزت الحرائق في ثلاث قرى: قرية البستان -البيضة –الرصافة, وكان التخوف كبيراً من وصول النيران إلى المنازل السكنية, لكن بفضل جهود رجال الإطفاء والمؤازرة من إطفاء طرطوس وبقية الجهات المعنية في المحافظة تمت السيطرة بالكامل على الحريق يوم الأربعاء مساء رغم كل الصعوبات التي واجهت العمل في الوصول إلى بؤر النيران في قلب الأحراش.

وأضاف ناصيف: إن تكلفة إخماد الحريق تجاوزت الــ مليون ليرة وتقدر قيمة الأضرار ب52 مليون ليرة وقد تم توقيف حراس الموقع من قبل عناصر الأمن الجنائي لإجراء التحقيقات اللازمة معهم.

تعاون مشترك للحفاظ على ما تبقى

مدير الموارد الطبيعية في زراعة حماه المهندس موفق سباهي قال: اندلعت النيران في قرى البستان والبيضة وبمساحات واسعة حيث قطعت أسلاك الكهرباء و حرقت بالكامل وهذا الفعل متعمد والفاعل اختار هذا المكان بالذات، لأنه تم إغلاق بواباته حفاظاً على تلك الغابات من التعديات والقطع الجائر للأشجار والتحطيب وتجار الحطب، منوها بأن هذا الحريق هو الثامن وجميعها مفتعلة ومتعمدة أكبرها كانت في قرى حير عباس وكفرلاها والزينة وبلغت المساحات المحروقة فيها حوالي 350 دونماً, وإذا ما استمرت تلك الحرائق خلال الصيف الحالي سنخسر قسماً كبيراً من المحمية حيث تعرضت معظم مساحاتها للاحتراق في أماكن متقطعة, لذلك يجب العمل والتعاون المشترك بين جميع الجهات سواء المعنية أو المجتمع الأهلي للحفاظ على ما تبقى من تلك الغابات.

وأضاف المهندس سباهي: من الصعب مراقبة تلك الغابات أو الكشف عن الفاعلين نظراً لكثافة الأحراش التي يختبئ فيها الفاعلون التي تحول دون رؤيتهم, حيث تم العثور على عدد من الجثث المقتولة رميت بين الأحراش قامت بها عصابات التشليح والسلب ومعظمهم من ضعاف النفوس وخريجي السجون والمطلوبين مستغلين الظروف الراهنة لممارسة أعمال الخطف والقتل بشكل عشوائي لمواطنين مع سياراتهم بقتل أصحابها وسرقة سياراتهم وكل ما بحوزتهم.

350 ضبط حرق وتحطيب

وعن الضبوط التي تم تنظيمها قال المهندس سباهي : تم تسجيل 146 ضبطاً مع حجز السيارات وتسجيل 350 ضبطاً في زراعة حماه منها حرق وتعد وتحطيب وغيرها, 99% من هذه التعديات كانت في مناطق مصياف، بينما كانت في حماه وسلمية قليلة جدا, وفي العام الماضي تم تسجيل 40 حريقاً حراجياً بمساحة 3500 دونم في مصياف، كما سجل 97 حريقاً زراعياً بمساحة 4000 دونم بين حصيد وأراض مشجرة بالزيتون.

أما بالنسبة للإجراءات الاحترازية التي تقوم بها مديرية الزراعة في حماه فقال المهندس سباهي: يعد الصيف موسم الحرائق حيث نقوم بتوزيع فرق خاصة للتعامل مع الحرائق مركزها قرية ربعو وتوزع هذه الفرق في كل من حماه والسلمية وخمسة فرق في منطقة مصياف كلها مجهزة بالصهاريج والسيارات للحالات الطارئة, كما تم تعيين عمال حراس بعقود مؤقتة خلال موسم الصيف لمساعدة العاملين في مراكز الحراج لمراقبة الغابات والحفاظ عليها من العابثين وضعاف النفوس.

محمية البستان

موقع البستان الذي تم حرق غاباته وتسمى «صدور البلان» وهي محمية طبيعية تقدر مساحتها ب400 هكتار وتمتد حدودها من الشمال إلى الأراضي الزراعية لقرية الرصافة وفيها مجرى مائي دائم, ومن الغرب الأراضي الزراعية لقرية الرصافة ومن الشرق أراض زراعية لقرية البيضة والبستان, ومن الجنوب حراج الملزق, حيث ترتفع عن سطح البحر بين 550-850 م ويبلغ معدل الأمطار فيها بين 1500-2500 مم.

يقول المهندس عماد ناصيف رئيس دائرة الحراج في مصياف عن أهمية محمية البستان: أهم ما يميز محمية البستان أنها تملك كل مقومات العملية السياحة من بيئة وشلالات وجبال وأشجار ويتم تقليمها وتنمية أشجار الصنوبر فيها.

كلمة تقال

هذا ما آلت اليه غاباتنا وجبالنا لتذهب كل جهود الدولة وجهود عمالها سدى لعقود مضت في التشجير وزراعة الخضرة وحماية البيئة وجعلتها محمية بقوانين تجرم وتعاقب كل متعد أو متسبب لضرر يلحق بها.

لماذا تشرع القوانين إذا كانت لن تطبق ولا تردع المجرم عن إجرامه؟ وإلى متى سنبقى عاجزين عن حماية غاباتنا؟؟

فهل تفيد نداءات الاستغاثة والنجدة واستنهاض الهمم في الحفاظ على ما تبقى من خضرة في مدينة مصياف وغيرها, أم بالغناء «خضرا يا بلادي خضرا»؟؟!!!

صحيفة “تشرين”

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك